الكرملين: بوتين يجتمع مع كيم ويشكره على دعمه للجيش الروسي
سادت حالة من الغضب والصدمة الأوساط الأدبية والثقافية في مصر خلال الأيام القليلة الماضية، عقب الأنباء المتداولة بشأن بيع مقهى "زهرة ستراند" الشهير، الكائن في منطقة "وسط البلد" بالقاهرة، والذي يُعد من أبرز معالم الحياة الثقافية في البلاد على مدار ما يزيد على نصف قرن.
المقهى، الذي يقع في مدخل إحدى العمارات بحي "باب اللوق"، كان لعقود طويلة ملتقى لجيل تلو آخر من الأدباء، والشعراء، والنقاد، والفنانين التشكيليين، وكتّاب السيناريو. لذا، فإن انتقال ملكيته إلى أحد رجال الأعمال تمهيدًا لتحويله إلى محل بيع نظارات، أثار مشاعر استياء واسع في الأوساط الثقافية والفنية.
وتعمّق الجدل عقب إزالة لوحات الخط العربي التي أبدعها الفنان محمد العيسوي من على واجهة المقهى وجدرانه، ما اعتُبر تأكيدًا على قرب انتهاء المقهى بشكله الثقافي الحالي، وتسارع إجراءات تحويله إلى نشاط تجاري جديد. دفع ذلك بكثير من المثقفين إلى مناشدة وزارة الثقافة التدخل العاجل، إما بشراء المقهى أو استئجاره، للحفاظ على قيمته الرمزية والتاريخية.
الناقد والناشط الثقافي سيد محمود وصف ما يحدث بأنه "اغتصاب للتاريخ"، مشيرًا إلى أنه ارتاد المقهى بانتظام طوال عشرين عامًا، لم ينقطع خلالها إلا بسبب السفر، وقد صنع خلال تلك السنوات العديد من الذكريات التي باتت اليوم مهددة بالاندثار.
وقال عبر صفحته على "فيسبوك" الأشياء تتبدد وتبقى الذكريات محاصرة بالأسى، فعلى هذا المقهى جلست مع النجم عمر الشريف والموسيقار محمد سلطان، ومع عشرات الأصدقاء والصديقات من أدباء مصر والعالم العربي، حيث كان صوت محمد عبد الوهاب يملأ المكان بأغنياته الحانية كما يفعل أب في شتاءات قاسية".
وأضاف: "لم يكن المقهى محطة انتظار، بل فضاء يتسع لأصوات راسخة وحكايات لا نهاية لها. لذا، فقلبي يعترض".
من جهته، قال الشاعر طارق هاشم إن ارتباطه بالمقهى يعود إلى لحن أغنية (أيوة تعبني هواك وياك) التي قدّمها الموسيقار محمد سلطان للمطربة فايزة أحمد، وهو ما دفعه للسعي للتعرف على الملحن بعد أن علم بأنه يتردد على المقهى باستمرار.
ويتابع هاشم: "بالفعل التقيته في ساحة المقهى. كان يتحدث بأدب جم لم أشهد له مثيلًا، رغم لقائي بالكثير من الموسيقيين والمطربين والشعراء. ومنذ ذلك الحين، أصبحت أرتاد المقهى يوميًّا مع أصدقائي من المبدعين، حتى صار بيننا وبين المكان تاريخ كنت أظنه لا ينكسر".
واختتم تصريحه بكلمات مؤثرة: المقهى الذي نشأَتْ فيه محبتنا، وصداقاتنا، وانكساراتنا، سيصير قريبًا في خبر كان. وداعًا زهرة ستراند، بكل ما بنيناه من آمال".
رغم الجدل الواسع، ترفض إدارة المقهى التعليق على ما يُتداول بشأن البيع أو التصفية. إلا أن مصادر مقربة تشير إلى أن السبب الرئيسي وراء قرار البيع يعود إلى خضوع المقهى لتعديلات قانون الإيجار القديم، وهو ما يفقده الامتياز السابق الذي كانت تتمتع به المنشآت التجارية القديمة، حيث كانت تدفع إيجارات رمزية لا تعكس القيمة السوقية الحالية.
وبعد التعديل، أصبح لزامًا على المقهى دفع إيجار يعكس قيمته الفعلية في السوق؛ ما يفرض أعباءً مالية كبيرة على الإدارة، ويدفعها إلى التفكير في البيع، والتخلي عن المقهى لصالح نشاط تجاري أكثر ربحية.
رحيل "زهرة ستراند" عن خريطة الثقافة في وسط البلد لا يُمثل مجرد فقدان مكان، بل خسارة جزء من الذاكرة الثقافية الجماعية. وفي الوقت الذي ترتفع فيه الأصوات المطالبة بتدخل الدولة لحماية هذا الإرث، يبقى مصير المقهى معلقًا، بانتظار قرار قد يحفظ له ما تبقى من تاريخه ومكانته.