الكرملين: مشاركة الأوروبيين في مفاوضات أوكرانيا "لا تبشّر بالخير"

logo
منوعات

"لعبة الحبار" على "نتفليكس".. هجاء خفي لقيم الرأسمالية

كسر المسلسل الكوري الجنوبي "لعبة الحبار" بحلقاته التسع، الحدود والجغرافيات والثقافات، على نحو غير متوقع، ليحتل صدارة المشاهدة على منصة "نتفليكس" العالمية الترفيهية، التي فوجئت هي ذاتها بهذا الإقبال "الاستثنائي"، فلم تروج للمسلسل كثيرا قبل عرضه.

وتبدو فكرة المسلسل بسيطة، فهي تعتمد على استحضار ألعاب الطفولة في كوريا، من بينها لعبة تستلزم رسم مخطط يشبه الحبار، ومن هنا عنوان المسلسل، غير أن تلك الألعاب الطفولية البريئة تتحول في المسلسل إلى مشاهد عنف ودماء، ذلك أن من يلعبونها الآن هم أولئك الأطفال الأبرياء، أنفسهم، الذين كبروا في عالم "الجشع والأنانية"، وباتوا مستعدين لمقايضة حياتهم البائسة المثقلة بالديون والبطالة والهموم، بحياة رخية هادئة، حتى وإن تطلب ذلك التضحية بأرواحهم.

شبكة غامضة

وتعمل شبكة غامضة سرية على استدراج أشخاص يائسين، يعيشون على هامش الحياة ويعانون من الأعباء المالية ومن التفكك الأسري ومن الإخفاق والفشل، إلى مسرح آخر في جزيرة نائية معزولة، كي يتنافسوا فيه عبر "ألعاب قاتلة" للفوز بالجائزة الكبرى، وقيمتها نحو 38 مليون دولار، وهو مبلغ كفيل كما يتصورون، بانتشالهم من عالم الفاقة والعوز إلى رحابة الترف والثراء.





خمس ألعاب فقط تنهي حياة 456 مشاركا، باستثناء واحد هو بطل المسلسل الفائز سيونغ-جي-هون، الذي يؤدي دوره الممثل لي جانغ جاي، ففي كل لعبة هناك خاسرون يتساقطون بطلقة رصاص، وعلى هذا النحو يقل عدد المشاركين وصولا إلى اللعبة الأخيرة، "لعبة الحبار" التي يتنافس فيها شخصان فقط، وهما صديقان كانا يلعبان اللعبة ذاتها في طفولتهما ببراءة، لكن الآن ينبغي أن يموت أحدهما فعليا، ليحظى الآخر بالجائزة المالية كما تقتضي شروط اللعبة.

 





بطل المسلسل الذي كان سببا في موت صديق الطفولة، يخرج من المسابقة فائزا لكن منهارا مشوشا، ضائعا يبحث عن أمان بات مفقودا للأبد، فكيف له أن يستعيد توازنه بعد أن رأى مقتل جميع المتسابقين الآخرين أمام عينيه، خصوصا صديق الطفولة.

يكتشف بعد خروجه من حلبات المنافسة موت والدته، فيما طفلته الوحيدة من مطلقته، سافرت إلى الولايات المتحدة، وكتكفير عن الذنب لا يجد أمامه سوى إعطاء قيمة الجائزة لوالدة صديقه، ويترك لديها كذلك، شقيق إحدى المتسابقات وفاء لوعد قطعه على نفسه بالاعتناء به، ساعيا إلى كشف ملفات تلك الشبكة السرية، وهو ما قد يظهر في الموسم الثاني من المسلسل، كما توحي النهاية.

التشويق

لعل العامل الأول في سر نجاح العمل يكمن في حبكته الدرامية المشوقة، ففي كل لعبة تتصاعد حدة المنافسة، وهو ما يخلق أجواء من الترقب والانتظار والفضول يحبس معها المشاهد أنفاسه حتى لحظة إعلان النتيجة، التي تختلط فيها المشاعر التي ترثي الإنسانية في يأسها وعجزها وطمعها ولهفتها للخلاص الفردي.

وتنقل تقارير عن دونغ هيوك مخرج المسلسل قوله، إن "المفارقة المتمثلة في مخاطرة أشخاص يائسين بحياتهم في سبيل الفوز في لعبة أطفال، هي ما يجذب جمهور المشاهدين".





هذه المنافسة المحتدمة، التي تتغير فيها قواعد الألعاب البريئة، وتتحول إلى قاعدة صارمة وحيدة "الخاسر ميت"، تعري دواخل الإنسان، وتكشف تناقضاتها وانتهازيتها، فالخيانة والطعن من وراء الظهر سمة تطغى على بنية العمل.

لكن وسط هذا الاندفاع "الأناني" نحو النجاة والفوز بالجائزة، ثمة كذلك جانب آخر يقول إن الإنسان مجبول على الخير عبر إظهار قيم التضامن والإيثار والتضحية، وهو ما تجسده شخصية البطل الذي يتعاطف معه المشاهد.





وتترافق كل تلك المنافسات الحماسية مع أجواء من الغموض والسوداوية، فوجوه الحراس ومنظمي اللعبة، القادمين من "سحر البرجوازية الخفي" كلها مخفية بأقنعة كتيمة، دون ملامح، فيما المتسابقون اليائسون، القادمون من "الطبقات المسحوقة"، يتلقون الأوامر على نحو مفاجئ من مكبرات الصوت، ويمضون نحو حتفهم، ورغم أن الكثير من الدماء تسيل، غير أن الأمور تسير بكل هدوء وروية، فعند نهاية كل لعبة، ثمة استعداد لبداية مميتة جديدة، وكأن شيئا لم يكن.

هذا "التفاوت الطبقي"، إذا جاز الوصف، يقود إلى عامل آخر من عوامل نجاح العمل، وهو أنه يوجه نقدا قاسيا وخفيا لقيم المجتمع الرأسمالي، الذي يتحول فيه الإنسان إلى مجرد رقم أو آلة لمراكمة الثروة للأثرياء، فهؤلاء المتسابقون هم في النهاية ضحايا لتلك النزعة الرأسمالية الجشعة، التي طحنت أرواحهم، وقادتهم إلى "المقصلة".





غير أن هذا الهجاء للرأسمالية لا يظهر بشكله الفاقع، إذ يخلو المسلسل من الشعارات والعناوين الكبرى، ولا يأبه بأي منحى سياسي بل ينشغل بالإنسان في عجزه ويأسه وقلة حيلته حيال عالم قاس لا نجاة فيه إلا بالمال، الكثير من المال.

وجادل بعض المتابعين حول هذه النقطة متسائلين، كيف للمسلسل أن ينتقد الرأسمالية، بينما الشركة المنتجة التي تعرضه "نتفليكس" هي شركة رأسمالية بامتياز، وها هنا يتجلى بحسب الردود، هدف الرأسمالية الثابت، وهو أن كل شيء مسخر لمزيد من الأرباح، حتى وإن جاء ذاك الربح من انتقادها.

الإبهار البصري

بالقدر الذي يولي فيه صناع العمل الاهتمام بالحكاية، فإنهم كذلك يولون اهتماما بالسينوغرافيا أو المشهدية البصرية في العمل الذي يظهر مجاميع ضخمة ومناظر باذخة ومجسمات مبتكرة وديكورات خاصة في الساحات المخصصة للمنافسة، فالطريق إلى ساحة كل لعبة يقود المتسابقين عبر متاهة من السلالم الملونة التي تعيد للأذهان مشاهد الألعاب عبر الكمبيوتر.

وبدت الإضاءة خافتة وكئيبة في غالبية المشاهد، وهو ما عكس المناخات التراجيدية للعمل الذي أظهر توليفة متباينة من الشخصيات ساهمت في انتشاره، ففضلا عن بطله المقامر الذي فقد عمله في شركة للسيارات، هناك الفتاة اللاجئة الهاربة من كوريا الشمالية، وعامل من باكستان يهان من رب عمله، وفتاة خارجة لتوها من السجن إثر مشاكل عائلية، ومصرفي أخفق في مشاريعه وغيرها من الشخصيات التي تعيش على الحافة.





 

وفي مسعى لإضفاء المزيد من القتامة على المسلسل، كان لافتا أن غالبية المشاهد قد صورت ليلا، عبر سرد درامي متعدد الجماليات والأبعاد، جاءت مصحوبة بموسيقى تصويرية مستمدة من الكلاسيكيات العالمية، التي نجحت في توفير عناصر الترقب والخوف والهلع، فضلا عن مونتاج متقن مزج بين أقصى حالات الرعب والضعف والعجز الإنساني، وبين ما يناقضها في عالم "الأثرياء" من بذخ وترف وسطوة لا محدودة.

وبقليل من المجازفة، يمكن القول إن المسلسل يطرح في خطه الدرامي الأبعد تساؤلا حول مدى قدرة الإنسان على الاحتفاظ بقيمه وقناعاته وروحه التواقة إلى الخير والعدل والجمال وسط صخب العالم الرأسمالي المعاصر، بكل ما فيه من سحر وإغراء.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC