طُرحت لقاحات الفيروس التاجي أخيرا في بعض الدول، وبات سؤال من يجب أن يحصل على اللقاح أولا؟، موضع جدل كبير، ففي بريطانيا، التي أصبحت أول دولة في العالم تبدأ عمليات التحصين بلقاح تم اختباره بالكامل، هذا الأسبوع، كانت المتقاعدة مارغريت كينان البالغة من العمر 90 عامًا أول شخص يحصل على حقنة من لقاح فايزر / بيوينتيك يوم الثلاثاء.
وفي إسرائيل، حيث وصلت الجرعات الأولى من اللقاح نفسه عبر الطائرة يوم الأربعاء، كان أول شخص يتلقى اللقاح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو البالغ من العمر 71 عاما، حيث قال نتنياهو لدى استقباله شحنة اللقاح في المطار "أود أن أكون مثالا شخصيا".
ووفق صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، لا تختلف تجربة المملكة المتحدة وإسرائيل على فارق السن بين كينان ونتنياهو، بل هناك عدة عوامل من بينها أن نتنياهو هو الرجل الأكثر شهرة في إسرائيل، وهو رئيس الوزراء الأطول خدمة في البلاد ويعيش حياة رفاهية وثراء، في حين لم يكن اسم كينان معروفا حتى يوم الثلاثاء، فقبل أن تتقاعد، عملت كمساعدة في متجر مجوهرات، وكانت عرضة للإصابة بالمرض وليست ثرية أو مشهورة، وهذه الفجوة بين ظروفها وظروف نتنياهو تعتبر بمثابة تذكير بأوجه عدم المساواة التي قد يجلبها توزيع اللقاحات.
جدل الأولوية
ومع احتمال نقص جرعات اللقاح لبعض الوقت، تعتبر طريقة توزيعها موضع جدل مهم، حيث يجادل البعض بأن منع الوفيات ينبغي أن يكون الأولوية، وفي هذه الحالة من المفترض أن تذهب اللقاحات إلى الأشخاص الأكثر عرضة للخطر، بمن فيهم المسنون مثل كينان، أولاً.
في حين يزعم آخرون أنه من الأفضل التركيز على انتشار الفيروس، وهذا يعني تطعيم الأشخاص الأكثر عرضة للخطر، مثل عمال الخطوط الأمامية كالأطباء وعمال التوصيل للمنازل.
إلا أن هناك مخاوف حول وضع الأثرياء والأقوياء، حيث قال أرماند أرتون، مؤسس شركة آرتون كابيتال، وهي شركة استشارية في مجال المواطنة تعمل مع أشخاص أثرياء، إن البعض قد يذهب إلى أبعد الحدود للحصول على لقاح إذا كان ذلك سيحسن نوعية حياتهم، وشرح: "هناك سوق سوداء لكل صناعة تقريبا".
ومع ذلك، أشار آرثر كابلان، أستاذ أخلاقيات البيولوجيا في مركز لانغون الطبي بجامعة نيويورك والمدير المؤسس لشعبة أخلاقيات الطب، إلى أن تعهد نتنياهو بتلقي التلقيح أولا، ليس مجرد حالة تخطي للصف، وشرح أن حصول نتنياهو على اللقاح أولاً في إسرائيل ليس مقبولا أخلاقيا فحسب، بل مرغوب فيه في الواقع.
وقال كابلان: إن أي زعيم عالمي في عمر نتنياهو أو في مجموعة خطر مماثلة لأسباب صحية أخرى يجب أن يحذو حذو الإسرائيليين علنا، وشرح: "يجب أن يقولوا، أنا عمري 71 عاما، وهذا هو السبب في حصولي على اللقاح، وليس لأنني سياسي، أود أن أرى أشخاصا من مختلف الأطياف السياسية يتلقون اللقاح".
العزوف عن اللقاح
وعلى الرغم من كل القلق المتعلق بالإنصاف في توزيع اللقاحات، هناك أيضا مخاوف شديدة بشأن التردد في تلقي اللقاحات، فعلى الرغم من أن الفيروس التاجي قد قتل 1.5 مليون شخص على مستوى العالم، فقد استغلت حركات مكافحة التطعيم وسائل التواصل الاجتماعي والقلق العام لنشر المخاوف بشأن اللقاحات.
فهناك أولئك الذين يعتقدون أن التطعيمات الجماعية هي مؤامرة حاكها بيل غيتس لتركيب رقائق في دمائنا، وهناك العديد من الآخرين الذين يترددون ببساطة في أخذ لقاح جديد لا يفهمونه، خوفا من التداعيات التي قد تلحق ذلك والأعراض الجانبية.
وأظهر هذا الأسبوع، استطلاع للرأي أجراه مركز أسوشيتيد برس-نورك لأبحاث الشؤون العامة، أن نصف الأمريكيين فقط قالوا إنهم سيتلقون اللقاح؛ وقال ربع الأمريكيين إنهم لن يتلقوا اللقاح على الإطلاق.
ومن شأن الآثار الجانبية قصيرة المدى، والتي تعتبر متوقعة على نطاق واسع بين المجتمع الطبي، أن تثير قلق بعض الناس.
وأشار كابلان إلى أن الحكومة البريطانية أمرت يوم الأربعاء، المستشفيات بعدم إعطاء اللقاح لمن يعانون من ردود فعل تحسسية شديدة.
وأثار تطوع نتنياهو ردود فعل متباينة في إسرائيل، ولكن بعض الخبراء الطبيين قالوا إنها خطوة إيجابية في دولة لديها تاريخها الخاص من التردد في تلقي اللقاحات، وقال هاغاي ليفين، أستاذ علم الأوبئة في جامعة هداسا: "سيكون الشك قضية مهمة؛ لأن عملية التطوير كانت سريعة جدا".
ومع ذلك، لا تعتبر هذه المسألة معادلة بسيطة، وبعض الذين يرغبون في أن يكونوا قدوة قد يؤدون لنفور أولئك الذين يرغبون في إقناعهم.
وقالت جولي ليسك الخبيرة في مجال اللقاحات في جامعة سيدني: "الجمهور حساس لظهور أشخاص ليسوا على لائحة الأولويات وهم يتخطون قائمة الانتظار".
أول المتطوعين
ولم يكن رئيس الوزراء الإسرائيلي أول زعيم عالمي يأخذ لقاح فيروس كورونا، ففي الشهر الماضي، أعلن حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، البالغ من العمر 71 عاما، عن تلقيه جرعة من لقاح كورونا.
وفي المقابل يبدو أن هناك آخرين ليسوا متأكدين من جودة اللقاح، فعلى سبيل المثال لم يتطوع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد لأخذ لقاح يدعمه الكرملين، على الرغم من أن ابنته تلقت اللقاح.
وفي الولايات المتحدة، قال الرئيس المنتخب جو بايدن الأسبوع الماضي، إنه سيأخذ لقاحا علنيا، منضما بذلك إلى تعهد الرؤساء السابقين بيل كلينتون وجورج دبليو بوش وباراك أوباما، والذين قالوا إنهم لن يتخطوا مكانهم للحصول على اللقاح، على الرغم من أن معظمهم باستثناء أوباما يبلغون أكثر من 70 عاما، مما يعني أنه من المرجح أن يكونوا على قائمة الاولويات.
وقال كابلان إنه على الرغم من الترحيب بهذه الجهود، إلا أنه قلق من أن يكون السياسيون شخصيات مثيرة للخلاف، وأن المنافسين مثل الرئيس ترامب في الولايات المتحدة، قد يهاجمون هذه الجهود.
البحث عن مؤثرين
وأشار إلى أنه ينبغي حث مجموعة واسعة من المشاهير والمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على اللقاح أيضا كجزء من محاولة للوصول إلى أكبر عدد ممكن من الأشخاص.
وقال كابلان: "يمكن اختيار موعد، ربما في يناير، وجعله يوم التطعيم الوطني، وفي ذلك اليوم يمكن التحدث بجدية عن وضع اللقاحات وما تعلمناه من إعطائها للناس لمدة 4 أو 5 أسابيع وللتخلص من الشائعات والادعاءات الكاذبة".
ولا تعتبر هذه الفكرة جذرية، فقد لعب الفيس بريسلي دورا في حملة التلقيح ضد شلل الأطفال في العام 1956، ولن يكون العثور على المشاهير والمؤثرين المعاصرين المستعدين لأخذ اللقاح صعبا، على الرغم من أن العثور على شخصيات مشهورة لتأخذ اللقاح دون تخطي أدوار الآخرين سيكون أكثر تعقيدا، ومع ذلك يمكن العثور على أشخاص عند البحث بجدية، ففي بريطانيا، تم اقتراح عالم الطبيعة ديفيد أتينبورو 94 عاما، والممثلة جودي دنش 86 عاما.
ومع ذلك ينبغي ألا تتجاهل السلطات في إسرائيل وأماكن أخرى تأثير الناس العاديين، فبغض النظر عن بعد المزاعم التي تتهم "كينان" بأنها ممثلة ومشاركة في المؤامرة الكبرى، يُنظر عامة إلى تجربتها بإيجابية للغاية، وبعد أن أجرت شبكة "سي إن إن" مقابلة مع البريطاني "مارتن كينيون" البالغ من العمر 91 عاما عند حصوله على الجرعة الأولى يوم الثلاثاء، انتشر الفيديو على نطاق واسع.
وعندما تواصلت معه صحيفة الغارديان في اليوم التالي، كان كينيون سعيدا بشهرته الحديثة وأكثر سعادة بتهدئة مخاوف الناس، وقال "جميعا نريد عودة الحياة إلى طبيعتها، وأنا متأكد من أن ذلك سيحدث".