رئيسة المفوضية الأوروبية: سنقترح تدابير جديدة تستهدف إسرائيل

logo
منوعات

عازف شهير يواجه معركة قضائية.. كيف تقمع السلطات الإيرانية الموسيقى والفنون؟

عازف شهير يواجه معركة قضائية.. كيف تقمع السلطات الإيرانية الموسيقى والفنون؟
20 أغسطس 2020، 12:22 م

منذ الثورة الإسلامية في 1979 عندما أعلن زعيم النظام الجديد آية الله الخميني أن الموسيقى لا تختلف عن الأفيون، ومنعها من التلفزيون والإذاعة، تشن إيران حملة قمع على حرية التعبير، والآن تشن حملة على كل أشكال التعبير.

ويواجه عازف السه تار الإيراني "مهدي رجبيان" (30 عامًا) معركة قضائية، ففي الأسبوع الماضي تم اعتقاله لدفاعه عن الفنانات والمغنيات من النساء اللواتي يعانين كثيرا من التضييق والقمع.

والآن بعد أن أفرج عنه بكفالة وينتظر المحاكمة، تسلط محنته الضوء على الخطر الذي يتعرض له الفنانون المستقلون في إيران.

ويعتبر الفن متجذرا في نسيج الثقافة الإيرانية، إذ كان شعراء بلاد فارس يصفون الموسيقى بأنها بوابة النعيم، وقال الشاعر حافظ في القرن الـ 14: "عندما يحاصرك العوز والحاجة، عليك بالرقص والغناء".

ووفقًا لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، يصف رجبيان، الذي يسكن مدينة ساري شمال إيران، الـ "سه تار" (وهو نوع من أنواع العود) بأنه "واحد من أعمق الآلات الموسيقية الإيرانية التي تنقل الأغاني من القلب".



وليست هذه هي المرة الأولى التي يخاطر فيها رجبيان بحريته من أجل الفن، ففي يونيو 2016 حُكم عليه بالسجن لمدة 3 سنوات بتهمة "إهانة المقدسات" وخلق "دعاية ضد الدولة"، ولكن الحقيقة أن رفضه التنازل عن استقلاليته الإبداعية هو السبب في حبسه.

وبدلاً من تجنب السياسة، التي تعتبر خطًا أحمر لدى الرقابة، قدم رجبيان ألبوماً يروي تاريخ إيران عبر موسيقاه، وربما كان أكثر ما فعله استفزازًا للحكومة هو الترويج لعمل المغنيات، من خلال شركته "بارج ميوزيك".

ففي إيران، تخضع مشاركة المرأة في الفنون لمراقبة صارمة، إذ وجدت الأبحاث التي أجرتها مجموعة "فري ميوز" المدافعة عن حرية التعبير في عام 2019، والتي دعمت رجبيان منذ سجنه، المشكلة واضحة على الأخص في صناعة الموسيقى.

ووفقاً للمجموعة الناشطة، يستهدف الزعماء الشيعة النساء بشكل خاص، معتقدين أن أداءهن أمام جمهور مختلط يتعارض مع المبادئ الإسلامية.

وفي أيار/مايو من العام الماضي، على سبيل المثال، عانت المغنية "نيغار معظّم" من تحقيق قضائي بعد أن غنّت منفردة بالزي التقليدي في قرية في محافظة أصفهان، وبعد عدة أيام، في محافظة قزوين، مُنعت فرقة موسيقية من النساء من أداء حفل خيري، وحتى الجلوس بين الجمهور.

كما مُنع الفنانون الذكور من أداء عروضهم في إيران؛ لأنهم عرضوا مغنيات في الحفلات الموسيقية، وكان أحد هؤلاء، العازف والملحن الموهوب "علي غمساري"، الذي قدم عروضه على خشبة المسرح في طهران مع منشدة واحدة، المغنية الكلاسيكية هالة سيفي زاده، في يناير 2019، حيث يمنع القانون الإيراني النساء من الغناء منفردات في الأماكن العامة.

وكانت فترة سجن رجبيان الأولى في سجن إيفين الشهير قاسية للغاية، حيث تعرض للتعذيب، وأضرب عن الطعام مرتين وأمضى 3 أشهر في الحبس الانفرادي، وتم إغلاق الاستوديو الخاص به ومصادرة معداته، وبعد الإفراج عنه مُنع من العمل.

ومع ذلك، أصدر في عام 2019 ألبومًا جديدا مع شركة سوني ميوزيك في تركيا، والذي وصفه رجبيان نفسه بأنه "مشروع لحقوق الإنسان والسلام"، والذي لا يمكن نشره في إيران، حيث يجمع بين الفنانين من أماكن مترامية الأطراف مثل مصر واليمن وسوريا.

ويقول رجبيان إن الألبوم هو الفصل الأول في مبادرة أوسع نطاقاً لن تشمل الموسيقيين فحسب، بل تشمل أيضاً الفنانين والمصورين والراقصين، ذكوراً وإناثاً.

وبالنسبة لرجبيان، الفن هو سلاح في كفاح المنطقة المضطربة من أجل السلام والحرية، أو كما يقول: "الفلسفة في الموسيقى هي ذخيرة النضال".

وفي يونيو الماضي، نشر رجبيان على حسابه على إنستغرام صورة للراقصة الفارسية هيليا بنديه، التي تعتبر واحدة من الراقصات القلائل المتخصصات في الرقص الفارسي الكلاسيكي، وهو أسلوب تطور في بلاط القاجاريين في بلاد فارس (1795-1925) للاحتفال بأحداث مثل التتويجات ورأس السنة، والذي يتميز بالحركات الرومانسية الرشيقة التي تتأثر بقوة بالشعر.



ووقع رجبيان في ورطته القضائية الحالية بسبب دعمه للفنانات وعمله مع بنديه، حيث يصر على دعم المغنيات ودمجهن في مؤلفاته.

وتعتبر بنديه أكثر من يعي التهديد الذي يواجهه رجبيان، إذ تحدثت في مقابلتها الأولى من هولندا حيث تقيم الآن، ووصفت تجربتها الخاصة مع القمع الإيراني، وقالت: "الرقص هو وسيلة للتعبير عن هويتي وتاريخي وثقافتي، ولكن لأسباب ثقافية وسياسية أصبح من الصعب جداً الآن دراسة الرقص في إيران، وهناك عدد قليل جدا من مدارس الرقص المناسبة والكتب محدودة".

وُلدت بنديه في مدينة شيراز، في جنوب غرب إيران، وأمضت سنوات في دراسة حرفة اعتُبرت غير أخلاقية بعد الثورة الإسلامية، على الرغم من أنها كانت متجذرة في التراث الإيراني.

وعندما أتت دراسات بنديه بثمارها، بدأت في الرقص وتعليم الآخرين الرقص، ولكن قبل عامين، بعد مداهمة إحدى ورشات عملها من قبل الشرطة، تم القبض عليها، وقالت: "عندما خرجت بكفالة تمكنت من الخروج من البلاد"، مشيرة إلى أن التجربة كانت صادمة للغاية.

وأوضحت بنديه، التي تدرس الرقص وتؤديه على الصعيد الدولي، أن التحدي الذي يواجه الفنانين في إيران ذو شقين، وشرحت: "من ناحية يقع ما تسمح به الحكومة في منطقة رمادية غامضة، فبعض الفنانين يمكنهم فعل ما يريدون، والبعض الآخر يتم قمعهم، ويعتمد ذلك على ما إذا كانت لديهم صلات بالحكومة أو لا، وما إذا كانوا على استعداد لتقديم تنازلات بشأن استقلالهم، ومن ناحية أخرى، هناك مشكلة محددة جداً بالنسبة للراقصات في الثقافة الإيرانية بشكل عام".

وتابعت: "على الرغم من وجود العديد من الإيرانيين العصريين والمنفتحين الذين يدعمون الرقص كشكل فني ويتأثرون به كثيراً، ولكن المجتمعات التقليدية تربط الرقص الفارسي بأشكال أخرى من الترفيه، حيث كانت بعض الراقصات تاريخيا محظيات"، مشيرة إلى أن هؤلاء النساء غالباً ما شغلن مناصب رفيعة في المجتمع الفارسي.

وبالنسبة لبنديه، كانت المشاركة في مشروع رجبيان تجربة عاطفية، وقالت: "كنت قد غادرت إيران في الشهر السابق، وكانت هذه المرة الأولى التي أؤدي فيها عرضي، ولهذا كان العرض مليئا بالألم والفرح على حد سواء، فقد كنت أشعر بالاختناق والآن أصبحت حرة لأرقص وأعبّر عن نفسي، حرة ولكن بعيدة عن وطني وغير قادرة على العودة".

أما لرجبيان، يعتبر المستقبل أكثر قتامة، فقد أدى سجنه السابق إلى مضاعفات صحية تجعله عرضة بشكل خاص لكورونا، الذي اجتاح سجون البلاد، وعلى الرغم من أنه أُطلق سراحه بكفالة الأسبوع الماضي بعد عدة ساعات في السجن، إلا أنه يعرف أن السجن يشكل تهديداً حقيقياً.

وقال: "لا أستطيع تأليف الموسيقى أو القيام بأي نشاط، وإلا سيزيلون كفالتي فورا، يجب أن أنتظر يوم الحكم الآن".

ويحذر سفيري بيدرسن، مدير حملات فري ميوز، من أن الحكم بالسجن ستكون له "عواقب تهدد حياة رجبيان"، ودعا بيدرسن إلى "إسقاط جميع التهم الموجهة إلى رجبيان فوراً ودون شروط"، مشيرا إلى أن "التمييز ضد الفنانات لأي سبب من الأسباب غير شرعي" بموجب القوانين الدولية الخاصة بحقوق الإنسان.



ويظل رجبيان متحديا، حيث قال: "حتى لو ذهبت إلى السجن 100 مرة، سأظل بحاجة إلى الغناء النسائي في مشروعي، فالرقص والحركة المسرحية للمرأة في مشروع الشرق الأوسط يساعداني على نقل رسالة وفلسفة الموسيقى، ولن أفرض الرقابة على عملي".

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC