أثار إقرار شركة تسويق النفط العراقية (سومو) بوجود عمليات تهريب باستخدام وثائق شحن عراقية ضجة واسعة، وسط مخاوف من أن يؤدي هذا الاعتراف الضمني إلى عقوبات دولية قد تطال القطاع النفطي، الذي يمثل شريان الاقتصاد العراقي الرئيسي.
وكشفت شركة سومو، في كتاب وجهته إلى الأجهزة الأمنية، عن رصد أنشطة مشبوهة في موانئ أم قصر وخور الزبير والمياه الإقليمية، شملت استخدام ناقلات بحرية لتقنيات متقدمة بغرض إخفاء مواقعها أو تغيير مساراتها، إلى جانب تنفيذ عمليات نقل غير مصرح بها تُعرف باسم التحويلات المظلمة.
وتشير وثائق الشركة إلى أنها خاطبت جهات عليا، من بينها جهاز المخابرات وقيادة القوة البحرية ووزارة الدفاع، لاتخاذ الإجراءات المناسبة، بعد أن أظهرت بيانات التتبع أن بعض السفن كانت تعمل خارج جداول التحميل الرسمية، وتؤخر الإفصاح عن وجهاتها، في سلوك يعد انتهاكا صريحاً للقوانين المعتمدة.
ورفض متحدث باسم وزارة النفط العراقية التعليق، لـ"إرم نيوز"، على تلك التطورات، لحساسية الأمر.
وأثارت تلك التطورات تساؤلات عن الجهات التي تقف وراء التهريب، وكيفية تمريره داخل منظومة رقابية يفترض أن تكون محكمة، إضافة إلى التداعيات التي قد تنجم عن ذلك على سمعة العراق النفطية وعلاقاته الدولية.
بدوره، أوضح الخبير النفطي كوفند شيرواني أن "كتاب سومو لم يشر صراحة إلى مصدر الشحنات، لكنه تضمّن إشارة واضحة إلى علم الشركة بهذه الأنشطة، وأن المتابعة من الجانب العراقي لا تزال غير كافية"، مشدداً على "ضرورة تشديد الرقابة في الموانئ التي يشتبه بتورط بعضها في عمليات التهريب".
وأضاف شيرواني، لـ"إرم نيوز"، أن "الجهة الوحيدة المخولة بتصدير النفط هي شركة سومو، وأي خروقات ضمن هذا الإطار قد تضع وزارة النفط وسومو في دائرة العقوبات من وزارة الخزانة الأمريكية، ما سيؤثر بشكل مباشر على الإيرادات المالية للدولة؛ لأن أكثر من 99% من صادرات العراق النفطية تمر من البصرة، وتشكل أكثر من 90% من دخل الدولة السنوي".
وعادت قضية تهريب النفط الإيراني بأوراق عراقية إلى الواجهة مؤخراً حين كشفت وكالة "رويترز" عن شبكة إقليمية تستغل ضعف الرقابة في الموانئ العراقية لتمرير شحنات نفط إيرانية بوثائق عراقية، تمهيداً لتسويقها دولياً وتجاوز العقوبات.
وكان وزير النفط العراقي حيان عبد الغني قد صرّح في آذار الماضي أن السلطات ضبطت ناقلات نفط إيرانية في مياه الخليج تحمل وثائق شحن عراقية مزوّرة، مؤكدًا في حينه أن شركة سومو لم تكن طرفًا في تلك العمليات، وأنها تعمل بشفافية وفق الضوابط المعتمدة.
ويرى مختصون أن توقيت بيان سومو يرتبط بارتفاع الضغط الدولي، خاصة بعد العقوبات الأمريكية التي فُرضت في تموز الجاري على شبكة عراقية تعمل بتنسيق مع طهران، متهَمة بتهريب النفط الإيراني وتحقيق إيرادات بمليارات الدولارات.
مخاطر كبيرة
من جهته، قال الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي إن "سومو كشفت رسميًّا عن (١١ ) ناقلة بحرية، سبع منها معروفة وأربع مجهولة، شاركت في تهريب كميات كبيرة من المنتجات النفطية من ميناءي أم قصر وخور الزبير".
وأضاف المرسومي، لـ"إرم نيوز"، أن "هذه العمليات استغلت المنتجات النفطية المدعومة بأسعار تقل كثيراً عن السعر العالمي، ما وفر هامش ربح كبير دفع بشبكات تهريب إلى استغلال الفارق وبيعها في الخارج عبر الناقلات البحرية، في عمليات تقدر أرباحها بمليارات الدولارات سنويًّا".
وتعتمد الموازنة العراقية بشكل شبه كلي على الإيرادات النفطية، حيث تشكل أكثر من 90% من دخل الدولة، وتصدّر الغالبية العظمى من الكميات عبر موانئ البصرة.
وتصنف أي تهديد محتمل لهذا القطاع، سواء عبر عقوبات مالية أو قيود على التصدير، كأحد أكبر المخاطر التي يمكن أن تواجه الاستقرار الاقتصادي.
ويقول مراقبون إن استمرار هذه الخروقات قد يضع المؤسسات العراقية أمام تحديات قانونية دولية، إذا لم تُتخذ إجراءات شفافة لتحديد المسؤوليات وكشف الشبكات المتورطة، خاصة أن تقارير محلية ودولية سبق وأن حذرت من امتدادات داخلية تسهل عمليات التهريب من داخل القطاع النفطي نفسه.