ضربت حالة من القلق المالي العراق، بعد أن كشف نواب عن توقف تحويل عائدات النفط من قبل البنك الفيدرالي الأمريكي، ما دفع الحكومة للتحرك لتأمين الرواتب والنفقات التشغيلية.
ولجأت الحكومة العراقية إلى استخدام الأمانات الضريبية، البالغ مجموعها نحو 3 تريليونات و45 مليار دينار (ما يعادل تقريباً 2.3 مليار دولار)، لصرف مستحقات رواتب الموظفين لشهر نيسان والأشهر اللاحقة، بموجب تخويل رسمي منح لوزيرة المالية طيف سامي.
وتعد هذه الأمانات ضمانات مالية أودعتها شركات متعاقدة مع الدولة لتنفيذ مشاريع خدمية واستثمارية على أن تُسترجع لاحقًا، ما أثار جدلاً واسعاً بشأن قانونية استخدامها وأثرها على التزامات الحكومة تجاه القطاع الخاص.
وفجّر النائب في البرلمان العراقي رائد المالكي، مفاجأة عندما أعلن أن الحكومة اضطرت لسحب الأمانات الضريبية بسبب قيام الفيدرالي الأمريكي بإيقاف تحويل عائدات تصدير النفط العراقي، واصفاً ذلك بأنه "أكبر انتهاك لسيادة البلاد".
وأكد المالكي في تدوينة عبر منصة (إكس)، أن "الحكومة لم تصارح الشعب بحقيقة ما يجري"، داعياً إلى "كشف أسباب هذا التقييد المالي الخطير الذي فرضته الولايات المتحدة، والذي انعكس على قدرة بغداد في الإيفاء بالتزاماتها الداخلية".
ومنذ أشهر، يحذر اقتصاديون من احتمال فرض قيود أو عقوبات مالية أمريكية قد تستهدف بغداد ونظامها المصرفي، على خلفية اتهامات بتسريب أموال إلى طهران أو التعامل غير المنضبط مع التحويلات الخارجية، وهو ما دفع وزارة الخزانة الأمريكية إلى تشديد الرقابة على حسابات العراق بالدولار وفرض تدقيقات صارمة على المصارف الخاصة.
بدوره، قال مسؤول في وزارة المالية العراقية، إن ما جرى تداوله بشأن إيقاف الولايات المتحدة لتحويلات العائدات النفطية "غير دقيق"، موضحاً أن ما حصل هو تلكؤ فني مؤقت في بعض التحويلات الروتينية من قبل البنك الفيدرالي الأمريكي، وليس قراراً رسمياً بوقفها.
وأضاف المسؤول، الذي تحدث لـ"إرم نيوز" شريطة عدم الكشف عن اسمه، أن "العلاقات المالية مع الجانب الأمريكي مستمرة، ولا يوجد أي موقف معلن أو إجراء رسمي يتعلق بوقف تحويل الإيرادات النفطية العراقية"، مشيراً إلى أن "وزارة المالية تتابع بشكل يومي حركة التحويلات وتعمل على تجاوز أي تأخير محتمل بالتنسيق مع المؤسسات المعنية".
وأكد أن "السحب من الأمانات الضريبية تم وفق إجراءات قانونية واضحة، لتأمين الإنفاق الحاكم"، نافياً وجود أزمة سيولة تهدد الرواتب أو النفقات التشغيلية في الوقت الراهن.
ويلجأ العراق إلى البنك الفيدرالي الأمريكي في نيويورك لإيداع عائداته من بيع النفط الخام بالدولار، بموجب ترتيبات مالية متفق عليها منذ تغيير نظام صدام حسين العام 2003، في إطار إدارة صندوق تنمية العراق (DFI) وخضوع الحسابات للرقابة الدولية.
وتقوم شركة تسويق النفط العراقية "سومو" بتحويل إيرادات البيع إلى هذا الحساب، على أن يتم تحويل المبالغ المطلوبة لاحقاً إلى البنك المركزي العراقي بشكل دوري لتغطية النفقات الحكومية، بما في ذلك الرواتب والاستيرادات الحيوية.
وتخضع هذه التحويلات لمجموعة من إجراءات التحقق والتدقيق التي تشرف عليها وزارة الخزانة الأمريكية، وتشمل التدقيق في وجهات الصرف وآليات الإنفاق، في ظل مخاوف أمريكية من تسرب الأموال إلى كيانات خاضعة لعقوبات أو استخدامها خارج الإطار الرسمي، وهو ما يجعل أي خلل فني أو أي اشتباه يؤدي إلى تأخير مؤقت أو تجميد جزئي لبعض التحويلات.
بدوره، رأى الخبير المالي والمصرفي مصطفى حنتوش، أن "سحب أموال الأمانات الضريبية، لا يشكل خطراً على الرواتب والنفقات الأساسية، خاصة وأن إيرادات النفط الخام وحدها قد تتجاوز عشرة تريليونات دينار شهرياً، لكن الجانب الاستثماري قد يواجه ضغوطاً وصعوبات في المرحلة المقبلة".
وأوضح حنتوش لـ"إرم نيوز"، أن "هذه الأموال تُودَع من قبل الشركات لصالح الضرائب الحكومية، ويتم تجميدها لخمس سنوات وفق المادة (26) من قانون الإدارة المالية رقم 6 لسنة 2019، لإتاحة المجال أمام الشركات للتحاسب واسترجاع جزء منها أو دفع المزيد عند التسوية".
وأكد أن "الدولة ستقوم بعكس المبالغ المستحقة لهذه الشركات شهرياً عند إجراء التحاسب الضريبي، وهو ما يجعل هذا الإجراء طبيعياً من ناحية المرونة المالية".