قالت مجلة "فورن أفيرز" إن الولايات المتحدة تتخلف عن الصين وروسيا في مجال ابتكارات الطاقة؛ تحديدًا سوق الطاقة النووية العالمية.
ووفق المجلة، يشهد العالم نوعًا جديدًا من السباق العالمي، ليس من أجل السيطرة على الفضاء، بل من أجل السيطرة على سوق الطاقة النووية العالمية.
وأضافت أن الطاقة النووية لطالما اعتُبرت محفوفة بالمخاطر بسبب الحوادث الكبرى وتجاوزات الميزانية، ما أعاق اعتمادها على نطاق واسع.
وأردفت: "لكن خلال العقد الماضي، عادت الطاقة النووية بقوة بفضل تطوير المفاعلات المعيارية الصغيرة".
وحاليًا تتولى الصين وروسيا زمام المبادرة، حيث توسّعان قدراتهما المحلية، بالإضافة إلى تصدير التكنولوجيا النووية وبناء محطات الطاقة النووية في مجموعة متنوعة من الاقتصادات الناشئة.
وقال التقرير إنه "في حين تتصدر روسيا العالم الآن في بناء محطات الطاقة النووية؛ حيث تقوم شركة الطاقة النووية المملوكة للدولة، روساتوم، ببناء ستة مفاعلات محلية جديدة، وتساعد في بناء 19 مفاعلًا في ست دول أجنبية، وقّعت الصين على مدى السنوات العشر الماضية عقودًا للمساعدة في بناء تسعة مفاعلات في أربع دول، مع الحفاظ على معدل توسع غير مسبوق في صناعتها النووية المحلية".
وأضافت أن "الدولتين سارعتا بشكل خاص إلى استيعاب إمكانات المفاعلات المعيارية الصغيرة، التي يمكنها عادةً توليد ما يصل إلى ثلث الطاقة التي تنتجها محطات الطاقة النووية التقليدية".
وبالمقارنة بالمفاعلات الكبيرة التقليدية، يمكن نشر المفاعلات النووية الصغيرة بسرعة في المناطق التي تفتقر إلى القدرة المرنة لشبكة الكهرباء، كما أن تصميمها المعياري يجعلها أكثر تكلفة.
وأشارت إلى أن "الحاجة تتزايد إلى مصادر طاقة جديدة بأسعار معقولة مع تسارع اعتماد العالم على الكهرباء".
ومن المتوقع أن ينمو الطلب العالمي على الكهرباء بمعدل سنوي يبلغ حوالي 4% خلال السنوات القليلة المقبلة، وستمثل الدول النامية ما يقدر بنحو 85% من هذا الطلب الجديد.
ومن بين القوى الكبرى، كانت الصين وروسيا الأكثر استباقية في إدراك هذه الحاجة وتلبيتها بصادرات الطاقة النووية؛ إذ تستهدف الدولتان بنشاط الدول النامية.
وتابعت المجلة أن السباق نحو توفير الطاقة النووية المتقدمة ليس مجرد منافسة تكنولوجية رمزية، بل هو صراع جيوسياسي على النفوذ والتنافسية الاقتصادية في عالم يشهد تحولات متسارعة.
ورغم أن بعض المحللين لا يزالون يشككون في حداثة المفاعلات النووية الصغيرة، ويشيرون إلى تاريخ المشاريع النووية التقليدية باهظة الثمن والمتجاوزة للميزانيات.
لكن الصين وروسيا تعتقدان أنهما ستيحدثان تحولاً في سوق الطاقة؛ فبفضل استثماراتها الضخمة، تأمل الصين في تصدير 30 مفاعلاً إلى الدول الشريكة في مبادرة الحزام والطريق بحلول عام 2030، بينما تهدف روسيا إلى الاستحواذ على 20% من سوق المفاعلات النووية الصغيرة العالمية.
ومع ارتفاع الطلب العالمي على الكهرباء، ستزداد القيمة الاستراتيجية للطاقة النووية، التي توفر كثافة طاقة أكبر بكثير من المصادر الأخرى؛ إذ تُنتج حبيبة وقود يورانيوم واحدة طاقة تُعادل طناً من الفحم، أو 149 جالوناً من النفط، أو 17,000 قدم مكعب من الغاز الطبيعي.
ورأت المجلة أن "بكين وموسكو ستكتسبان قوةً ناعمةً متزايدةً باستمرار، حيث تُحفّز الدول التي أبرمت معها اتفاقيات في مجال الطاقة النووية على التوافق مع طموحاتها الاقتصادية ومثلها السياسية".
"فعلى سبيل المثال، تعمل شركة روساتوم على توسيع قدرة المجر، التي تُعارض دومًا العقوبات الأوروبية على روسيا، على توليد الطاقة النووية؛ إذ تُولّد الطاقة النووية الآن حوالي 44% من كهرباء البلاد".
وحذرت من أن الدول قد تستخدم مُستقبلا نفوذها على المفاعلات التي تبنيها لإكراه أو معاقبة الدول المشترية بإيقاف تشغيلها أو الاستيلاء عليها، إذ إن هذا التهديد ليس بالأمر الجديد.
وفي عام 2014، أوقفت روسيا إمدادات الغاز عن أوكرانيا لأشهر بعد ضم شبه جزيرة القرم، ما تسبب في اضطرابات اقتصادية واجتماعية.
وعلى النقيض من الوقود النووي، لا يمكن تخزين الكهرباء، ما يجعل إغلاق محطة الطاقة النووية مدمراً لشبكة الكهرباء والاستقرار الاقتصادي في الدولة.
ولفتت "فورين أفير" إلى أن الولايات المتحدة ليست الدولة الوحيدة المتخلفة عن الركب؛ فالقوى الكبرى الأخرى ذات الصناعات النووية المتقدمة لم تبذل جهودًا كافية لتوفير التمويل الميسر ونماذج المشاريع الجاهزة التي تحتاجها الدول النامية.
ودعت، للحفاظ على التوازن الجيوسياسي في سوق الطاقة النووية، الولايات المتحدة وحلفاءها إلى تبني استراتيجيات أكثر تنافسية، لا سيما فيما يتعلق بالمفاعلات النووية الصغيرة.
وبينما لا تزال لدى الولايات المتحدة وحلفائها فرصة لموازنة نفوذ الصين وروسيا المتزايد في قطاع الطاقة النووية، خلُصت المجلة إلى أن القرارات التي تتخذها واشنطن وحلفاؤها الآن، في الأيام الأولى لعصر نووي جديد، ستحدد مسار أمن الطاقة، والاقتصاد العالمي، وشكل القوة لعقود قادمة.