تسود الشارع العراقي حالة من القلق، بعد إعلان البنك المركزي عن تفاصيل الدين العام، والعجز الفعلي في الموازنات الثلاثية للأعوام 2023 - 2025، في وقت تتباين فيه قراءات الخبراء بشأن المؤشرات المالية.
وتضاربت الآراء بشأن طبيعة تأثير العجز والدين الداخلي على الاقتصاد العام للبلاد، وما إذا كانت تمثل مؤشرًا إيجابيًّا على ضبط السياسة المالية، أم تنذر بأزمة مالية متراكمة في ظل تراجع الإيرادات غير النفطية وغياب موازنة العام 2026 حتى الآن.
وبهذا السياق، قال الخبير الاقتصادي حيدر الشيخ، إن "انخفاض الإيرادات النفطية وزيادة النفقات العامة دفعت الحكومة إلى الاعتماد على سيولة المصارف العامة والخاصة لتمويل التزاماتها الداخلية والخارجية، ما تسبب بزيادة التضخم المالي وارتفاع الدين الداخلي الذي تجاوز 90 تريليون دينار".
وأضاف الشيخ، في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن "الدين الداخلي كان يبلغ 40 تريليون دينار عام 2016، وقفز إلى 70 تريليون بعد جائحة كورونا وانخفاض أسعار النفط، قبل أن ينخفض مؤقتًا، لكنه عاد للارتفاع مجددًا خلال عام 2025، ويتوقع أن يتجاوز 100 تريليون دينار في عام 2026 إذا استمر الوضع المالي على حاله".
ويشير مختصون إلى أن تصاعد الدين الداخلي يؤشر إلى اتساع دائرة الإنفاق الحكومي، خصوصًا بعد التوسع في التعيينات العامة، وإضافة أكثر من مليون مستفيد جديد ضمن شبكة الحماية الاجتماعية، ما أدى إلى تضخم فاتورة الرواتب والمخصصات.
كما تراجعت الإيرادات غير النفطية إلى أقل من 10% من إجمالي الدخل العام، مقارنة بالتقديرات الحكومية السابقة التي كانت تستهدف الوصول إلى 20%.
من جهته، أكد الباحث في الشأن الاقتصادي، نبيل العلي، أن "الديون الخارجية العراقية شهدت تذبذبًا واضحًا منذ عام 2003، إذ تجاوزت قبل ذلك أكثر من 125 مليار دولار، لكنها انخفضت إلى 19 مليار دولار عام 2013 بعد اتفاق نادي باريس وجدولة الديون الكويتية".
وقال العلي، في تصريح لـ"إرم نيوز"، إن الديون الخارجية ارتفعت مجدداً خلال فترة الحرب ضد تنظيم داعش لتصل إلى 26 مليار دولار عام 2018، قبل أن تعاود الانخفاض إلى نحو 14 مليار دولار منتصف العام 2025 نتيجة تحسن أسعار النفط.
وأوضح أن "الديون غير واجبة السداد، أو ما يُعرف بالديون القذرة، تُقدّر بنحو 45 مليار دولار، وهي ليست التزامات مالية فعلية، بل تمويلات سياسية تعود إلى فترة الحرب العراقية – الإيرانية، فيما تتركز الديون الداخلية بمعظمها داخل الجهاز المصرفي الحكومي، وتُدار كأدوات مالية ضمن السياسة النقدية".
ورغم تطمينات البنك المركزي بأن نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي لا تتجاوز 43%، وهي ضمن الحدود الآمنة دوليًّا، إلا أن اقتصاديين يرون أن طبيعة الاقتصاد العراقي الأحادي تجعله عرضة للمخاطر في حال هبوط أسعار النفط أو تأخر الموازنة الجديدة، إذ تمثل العائدات النفطية أكثر من 90% من الإيرادات الكلية للدولة.
كما أن استمرار العجز في الموازنات المتعاقبة يكشف صعوبة في ضبط النفقات التشغيلية التي ارتفعت بنحو 30% خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
بدوره، قال أستاذ الاقتصاد في جامعة البصرة، نبيل المرسومي، إن "البنك المركزي عندما ذكر أن الدين الداخلي ضمن الجهاز المصرفي الحكومي، فهو يقصد حوالات وسندات بقيمة 51 تريليون دينار تم إصدارها فعلًا، وهي ليست ديونًا آمنة كما يروَّج لذلك؛ لأن آثارها السلبية ستظهر بعد الانتخابات المقبلة".
وأضاف المرسومي، في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن "الاقتصاد العراقي يعيش مرحلة تأجيل للاعتراف بالأزمة الحقيقية إلى ما بعد نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، إذ ستتضح آثار السياسات المالية التي لم تتمكن من تنويع الاقتصاد أو تقليل النفقات، فيما بقي الاعتماد شبه الكامل على النفط رغم نجاحات محدودة في مشاريع الإعمار والبنى التحتية".
وبحسب بيانات رسمية، تبلغ الديون الداخلية نحو 91 تريليون دينار، منها 56 تريليونًا متراكمة حتى نهاية عام 2022، و35 تريليونًا أضيفت خلال الموازنات الثلاثية، في حين تُخطط الحكومة لتحويل جزء منها إلى أدوات استثمارية عبر صندوق وطني لإدارة الدين الداخلي بالتعاون مع شركات استشارية دولية.
ويؤكد مختصون أن هذا المسار، وإن كان يهدف إلى تحويل الالتزامات إلى فرص استثمارية، إلا أنه يتطلب انضباطًا ماليًّا وإصلاحًا في هيكلية الإنفاق الحكومي، خصوصًا في ظل ارتفاع معدلات البطالة إلى أكثر من 13% وفق بيانات وزارة التخطيط، وغياب التنويع الاقتصادي الكفيل بتقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للدخل.