أدى انهيار الليرة السورية، الذي تفاقم بفعل الحرب والعقوبات، إلى دفع أجزاء من شمال سوريا إلى اعتماد الليرة التركية.
ورغم أن نظام العملة المزدوجة قد يُخفف الضغط على المدى القصير، إلا أنه يُعمّق عدم الاستقرار الاقتصادي، ويُبرز المشهد المالي والسياسي المتصدّع في سوريا، بحسب صحيفة "ميديا لاين" الأمريكية.
ومنذ اندلاع الصراع في البلاد، العام 2011، فقدت الليرة السورية قيمتها تقريباً، فالعملة التي كانت مستقرة نسبياً عند سعر صرف بـ50 ليرة مقابل الدولار الأمريكي، هبطت إلى أكثر من 15000 ليرة مقابل الدولار.
وأدت سنوات الحرب والانهيار الاقتصادي والعقوبات الدولية الشاملة إلى تدمير الاقتصاد، وتصدع النظام المالي.
في أجزاء من شمال غرب سوريا، بما في ذلك إدلب وشمال حلب، يلجأ السكان، بشكل متزايد، إلى الليرة التركية كبديل لليرة السورية المتدهورة.
ويقول أنس حمود، وهو صرافة في إدلب: "فقدت الليرة السورية جزءاً كبيراً من قيمتها بسرعة، مما أدى إلى ارتفاعات غير مسبوقة في الأسعار، بينما توفر الليرة التركية استقراراً نسبياً"، معتبراً أن اعتماد الليرة التركية كان قراراً عملياً واقتصادياً، نظراً لأن معظم البضائع التي تدخل المنطقة تأتي من تركيا.
وساعد دمج الليرة التركية في حماية السكان من أسوأ آثار للتضخم المفرط، إذ حافظت الدخول على قيمتها بشكل أفضل، وأصبح بإمكان الناس تحديد أسعار السلع بشكل أكثر قابلية للتنبؤ.
كما بدأت المؤسسات المالية المحلية في تسهيل معاملات الليرة، مما ساعد على تداولها بسهولة أكبر في جميع أنحاء الاقتصاد المحلي.
لكن هذا التحول جلب تعقيدات جديدة، بحسب حسن القاسم، وهو رجل أعمال سوري يعمل في التجارة عبر الحدود، موضحاً أنه "على الرغم من أن الليرة التركية أكثر استقراراً من السورية، إلا أنها لا تزال عرضة للتقلبات الاقتصادية داخل تركيا".
ومن العقبات العملية نقص السيولة النقدية، كما أضعف نظام العملة المزدوجة السيادة النقدية لسوريا في المنطقة.
ومع هيمنة الليرة التركية على التجارة في الشمال، واستمرار استخدام الليرة السورية في أجزاء أخرى من البلاد، فإن قدرة الحكومة المركزية على التأثير على الاقتصاد الأوسع أو استقراره محدودة.
ويكافح التجار لتحديد أسعار ثابتة، حيث قد تُسعّر السلع بعملة وتُباع بعملة أخرى، وقد أدى ذلك إلى تفاوت في التكاليف اعتماداً على العملة المستخدمة.
وغالباً ما يواجه العمال الذين يتقاضون أجورهم بعملات مختلفة تفاوتاً في الأجور. تُصرف بعض الرواتب بالليرة السورية، والبعض الآخر بالليرة، ولا يُعدّل فرق القيمة دائماً لمواكبة التضخم أو تقلبات العملة.
وأدى ذلك إلى توترات اجتماعية، وتفاقم حالة عدم اليقين الاقتصادي. وفي الوقت نفسه، فإن اعتماد المنطقة المتزايد على الاقتصاد التركي يجعلها عرضة لعدم الاستقرار المالي عبر الحدود.
وتُلمس عواقب هذا النظام في جميع مستويات الحياة اليومية، إذ يستمر التضخم في تآكل القوة الشرائية، وتسبب التفاوت في أسعار السلع المُقيّمة بالليرة السورية والليرة التركية في تقلبات في القوة الشرائية، وتفاقم حالة عدم الاستقرار الاقتصادي.
ولم تعد الرواتب في القطاعين العام والخاص كافية لتغطية نفقات المعيشة، وغالباً ما يجد العاملون بأجر أنفسهم غير قادرين على تحمل تكاليف أساسيات الحياة.