اليونيفل في لبنان: هذا الهجوم من أخطر الهجمات على أفرادنا وممتلكاتها منذ اتفاق نوفمبر
بينما تشدد إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبضتها الاقتصادية على الهند بفرض رسوم جمركية عقابية وصلت إلى 50% على معظم صادراتها إلى السوق الأمريكية، تبرز مفارقة لافتة: الخاسر الأكبر هم المصنّعون الصغار، أما الرابح المحتمل فهو موكيش أمباني، أغنى رجل في الهند وصاحب مجموعة "ريلاينس إندستريز".
الرسوم الجديدة جاءت كرد مباشر على زيادة واردات الهند من النفط الروسي الرخيص منذ اندلاع الحرب الأوكرانية عام 2022، إذ ترى واشنطن أن هذه المشتريات تساعد موسكو على تمويل "آلة الحرب".
غير أن القرار الأمريكي استثنى بشكل لافت الطاقة ومنتجاتها، وهو ما يجعل مجموعة "ريلاينس" – صاحبة أكبر مجمع لتكرير النفط في العالم – بمنأى عن الضربة، بينما تواجه الصناعات الصغيرة والمتوسطة خسائر بمليارات الدولارات في السوق الأمريكية.
قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، لم تكن الهند تستورد سوى كميات ضئيلة من النفط الروسي. لكن بحلول 2025، قفزت الحصة إلى نحو 40% من إجمالي وارداتها النفطية، بحسب بيانات شركة "Kpler" المتخصصة بالطاقة.
وتشير التقديرات إلى أن مصفاة "ريلاينس" في مدينة جامناغار وحدها تستورد ما يقارب 1.2 مليون برميل يوميًا، يشكّل النفط الروسي ثلثها على الأقل.
وبالنسبة لنيودلهي، فإن النفط الروسي المخفّض وفرّ مليارات الدولارات سنويًا من كلفة الفاتورة الطاقية. لكن هذه الوفورات تتلاشى الآن أمام خسارة عشرات المليارات من عائدات التصدير بعد مضاعفة الرسوم الأمريكية.
في خطابه السنوي الذي يحظى بمتابعة كبيرة، حاول موكيش أمباني طمأنة المستثمرين عارضًا صورة مشرقة لنمو "ريلاينس" الذي لا يقتصر على الطاقة فقط، بل يمتد إلى الاتصالات والبيع بالتجزئة والترفيه.
وقدّم أمباني نفسه كصديق للشركات الأمريكية العملاقة، من خلال ظهور مدراء تنفيذيين مثل ساندار بيتشاي (غوغل)، مارك زوكربيرغ (ميتا) وبوب إيغر (ديزني) عبر الفيديو في الفعالية.
وأكد أن مستقبل الهند يعتمد على الإصلاحات والتكنولوجيا، مشيدًا بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي وسياسة الاعتماد على الذات.
وقال بلهجة وُصفت بأنها تلميح غير مباشر للضغوط الأمريكية: "لا بديل عن القوة الاقتصادية... والهند يجب أن تكتسب هذه القوة بشكل عاجل".
مستشار البيت الأبيض للتجارة بيتر نافارو صعّد اللهجة قائلًا: "الأمر بسيط: يمكن للهند أن تحصل غدًا على خفض 25% في الرسوم إذا توقفت عن شراء النفط الروسي وتمويل الحرب"، في إشارة إلى أن الطريق لرفع العقوبات يمر عبر تخلي نيودلهي عن موسكو.
لكن وزير الخارجية الهندي وصف روسيا مؤخرًا بأنها "أحد أكثر شركاء الهند ثباتًا"، ما يوحي بأن نيودلهي لا تنوي الرضوخ للابتزاز التجاري.
ورغم العلاقات الوثيقة التي نسجها أمباني مع عائلة ترامب – من حضور إيفانكا وجاريد كوشنر حفل زفاف نجله، إلى صفقات عقارية مع "منظمة ترامب" في مومباي – فإن ذلك لم يشفع أمام انتقادات مباشرة من مسؤولين أمريكيين.
وألمح وزير الخزانة سكوت بيسنت مؤخرًا إلى أن "أغنى عائلات الهند" هي المستفيد الأكبر من النفط الروسي الرخيص، في إشارة واضحة إلى أمباني.
من جانبها، ردّت شركة "ريلاينس" سريعًا مؤكدة أن مشترياتها تتوافق مع سقف الأسعار الذي فرضته الولايات المتحدة وأوروبا للحد من أرباح موسكو، مشددة على أن تكاليف شحن النفط الروسي المرتفعة تقلل كثيرًا من المكاسب المفترضة.
المفارقة الأكبر أن الصين – المستورد الأول عالميًا للنفط والفحم الروسي – لم تتعرض للضغط نفسه. هذا التمييز أثار تساؤلات في الهند والولايات المتحدة على حد سواء حول سبب استهداف نيودلهي تحديدًا، رغم أن عجز واشنطن التجاري مع بكين يفوق ستة أضعاف عجزها مع الهند.
ويرى محللون أن اعتماد الولايات المتحدة الكبير على المعادن الأرضية النادرة الصينية، الضرورية لصناعاتها الدفاعية، يفسر حذر إدارة ترامب من معاقبة بكين، مقابل تشديدها على نيودلهي التي تُعتبر حليفًا استراتيجيًا في مواجهة الصين.
وأكد خبراء التجارة أن استراتيجية ترامب قد تفشل في تغيير سلوك الهند، التي لطالما اعتبرت أمنها الطاقي مرتبطًا بعلاقاتها الدبلوماسية.
وبالنسبة لنيودلهي، التخلي عن موسكو لن يعني فقط خسارة نفط رخيص، بل أيضًا تهديدًا لمصادر السلاح وقطع الغيار الحيوية، حيث لا تزال أكثر من نصف المعدات العسكرية الهندية روسية المنشأ.
وفي المحصلة، تبدو الرسوم الأمريكية وكأنها تصيب الصناعات الصغيرة والمتوسطة في مقتل، بينما تنجو إمبراطورية "ريلاينس" إلى حد كبير من العاصفة.
ومع كل خطاب تصعيدي من واشنطن، يزداد تقارب نيودلهي مع موسكو وبكين، ما يهدد بإضعاف الدور الهندي في استراتيجية واشنطن لاحتواء الصين في آسيا.