لم يكن عام 2025 مجرد فصل جديد في التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، بل شكّل اختبارًا قاسيًا لقدرة أكبر اقتصادين في العالم على الصمود وإعادة التكيف.
فمع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، عادت الرسوم الجمركية وضوابط التصدير لتقلب سلاسل التوريد والأسواق العالمية، وتضع الحكومات والشركات أمام واقع جديد عنوانه عدم اليقين الدائم.
في أبريل 2025، أحدث إعلان ترامب فرض “تعريفات متبادلة” على معظم الشركاء التجاريين صدمة عالمية، سرعان ما انعكست على المراكز الصناعية الصينية والمستوردين الأمريكيين على حد سواء.
ارتفعت الرسوم إلى مستويات قاربت الحظر الفعلي، وردّت بكين بإجراءات مضادة شملت قيودًا على تصدير الرقائق الإلكترونية والمعادن الأرضية النادرة، ما أدى إلى اضطراب الأسواق العالمية.
ورغم حدة المواجهة، كشفت الحرب التجارية الثانية أن ميزان القوة لم يعد مختلًا كما كان في 2018. فقد استفادت الصين من استعدادات طويلة الأمد منذ الجولة الأولى، وبنت نفوذًا استراتيجيًا في قطاعات حساسة مثل العناصر الأرضية النادرة وسلاسل التصنيع المتقدمة.
ونتيجة لذلك، أخفقت واشنطن في فرض تنازلات سريعة، على عكس ما حدث مع شركاء آخرين.
ورغم أن الولايات المتحدة فرضت رسومًا إضافية بنسبة 20% على السلع الصينية، فإن الفجوة بينها وبين مراكز التصنيع الآسيوية الأخرى تقلصت، خاصة مع إخضاع فيتنام وكوريا الجنوبية واليابان لتعريفات مماثلة. وفي المقابل، واصلت التجارة الصينية النمو، مسجلة فائضًا تجاريًا تاريخيًا تجاوز تريليون دولار خلال أول 11 شهرًا من العام، مدعومًا بتوسع الصادرات عالية التقنية والأسواق البديلة.
دفعت الحرب التجارية المدن الصناعية الصينية، مثل نينغبو، إلى تسريع تنويع الشركاء التجاريين.
فقد تراجعت صادرات المدينة إلى الولايات المتحدة بنحو 8.7%، لكن هذا الانخفاض عوّضته زيادة قوية في التجارة مع جنوب شرق آسيا والشرق الأوسط ودول مبادرة الحزام والطريق، التي سجلت نموًا مزدوج الرقم.
غير أن هذا التحول لم يأتِ بلا ثمن. فالمصدرون الصينيون يواجهون هوامش ربح أقل ومنافسة أشد في الأسواق الناشئة مقارنة بالسوق الأمريكية الناضجة.
ومع ذلك، يرى المسؤولون المحليون أن عام 2025 رفع “عتبة تحمل الصدمات”، وجعل الشركات أكثر قدرة على التعامل مع مفاجآت السياسة التجارية الأمريكية.
على الجانب الآخر، وجدت الشركات الأمريكية أن فك الارتباط مع الصين أصعب بكثير، خاصة في القطاعات المرتبطة بالعناصر الأرضية النادرة. فالصين تهيمن على غالبية الاحتياطيات والإنتاج العالمي، وتسيطر على نحو 90% من إمدادات المغناطيسات، وهي مكونات يصعب تعويضها سريعًا.
ولهذا، بقيت محاولات التنويع الأمريكي محدودة، ومكلفة، ومحفوفة بالمخاطر.
ساهمت خمس جولات من المحادثات التجارية رفيعة المستوى في تهدئة التوترات، ومهّدت الطريق لقمة جمعت شي جين بينغ وترامب في الخريف، حيث تم التوصل إلى تفاهم مؤقت أعاد بعض الاستقرار للأسواق؛ لكن هذه التهدئة لم تُنهِ جذور الصراع.
فعلى الرغم من تعليق زيادات الرسوم، فشلت الحرب التجارية في معالجة العجز التجاري الأمريكي، الذي واصل الارتفاع خلال 2025 بفعل نمو الواردات بوتيرة أسرع من الصادرات.
وفي الوقت نفسه، يحذّر محللون من أن التنافس التكنولوجي، خاصة في مجال أشباه الموصلات والتقنيات المتقدمة، سيبقى خطًا أحمر يصعب تجاوزه.
وبينما تتجدد الدعوات في الصين لتحسين العلاقات التجارية مع واشنطن، يؤكد الخبراء أن أي “إعادة ضبط” سياسية لن تلغي الصراع الجيوسياسي الأوسع.
فالاتفاقات المؤقتة قد تخفف الضغوط، لكنها لا تعالج التناقضات البنيوية بين اقتصادين يتنافسان على القيادة العالمية.
والمحصلة، فقد كشفت حرب 2025 أن الصين والولايات المتحدة تعلّمتا الصمود أكثر مما تعلّمتا التنازل. وبين هدنة هشة ومنافسة استراتيجية متصاعدة، يبدو أن التجارة العالمية دخلت مرحلة "إدارة الأزمات" بدلًا من حلّها، مع استمرار الكلفة على الشركات والمستهلكين حول العالم.