تشهد العلاقات بين باكستان وأفغانستان واحدة من أسوأ مراحلها منذ عقود، بعدما تحولت الاشتباكات الحدودية الدامية إلى مواجهة اقتصادية مفتوحة، عطّلت حركة التجارة وهددت سبل عيش ملايين السكان على جانبي الحدود.
فبدلاً من تخفيف التوتر، تتخذ الحكومتان قرارات عقابية متبادلة تُغلق الأبواب أمام الحلول، وتترك الفئات الأكثر هشاشة فريسة الجوع والبطالة والانهيار الاجتماعي.
في أسواق بيشاور الحدودية التي لطالما كانت رمزًا للتداخل الإنساني والاقتصادي بين البلدين، يبدو المشهد قاتمًا: محال أُغلقت، وبضائع مكدسة في الموانئ، وعمال فقدوا مصدر رزقهم بين ليلة وضحاها.
ويقول حميد الله أياز، رجل أعمال أفغاني يدير 12 مخبزًا في المدينة لصحيفة "نيويورك تايمز": "الأفغان خائفون من الخروج، ونعيش حالة انتظار قاتلة".
وتُبرر باكستان قرارها بوقف التجارة عبر الحدود باتهام طالبان الأفغانية بدعم حركة طالبان باكستان وتنفيذ هجمات دامية ضد قوات الأمن.
وتنفي طالبان الأفغانية ذلك، وتعتبر أن "مشاكل باكستان الأمنية شؤون داخلية"، بينما تستمر الاتهامات المتبادلة وسط غياب أي آلية ثقة أو تنسيق أمني.
النتيجة المباشرة كانت شلّ تجارة ثنائية تتجاوز 2 مليار دولار سنويًّا، واحتجاز شاحنات الفحم والرمان والأدوية لأكثر من شهرين، وتباطؤ حاد في وصول المساعدات الإنسانية إلى الداخل الأفغاني.
وتشير التقديرات إلى أن أكثر من نصف الشعب الأفغاني البالغ 42 مليون نسمة بحاجة لمساعدات عاجلة، بينما تتعرض باكستان بدورها لأزمة معيشية خانقة، مع ارتفاع معدل الفقر إلى ربع السكان تقريبًا.
في قندهار، فقد المزارعون منفذهم الرئيسي لتصدير محاصيلهم، وعلى رأسها الرمان الشهير، ويقول المزارع عبد الله خان بمرارة للصحيفة: "اقترضت 15 ألف دولار لزراعة البساتين، والآن أبيع المحصول بنصف ثمنه داخل أفغانستان".
يحذر خبراء التجارة من أن البلدين "يطلقان النار على أقدامهما" في حرب تجارية لا يملك أي منهما مقومات الانتصار فيها؛ فالأفغان الذين يسيطرون على معظم المتاجر في الأسواق الحدودية بدأوا بسحب أموالهم من المصارف الباكستانية، واللاجئون يواجهون خطر الطرد أو عدم تجديد الإقامة.
ويواجه الآلاف من سائقي الشاحنات ظروفًا قاسية عند معابر مغلقة، يتناوبون النوم لحراسة مركباتهم من اللصوص، بينما يتبدل الصيف بالشتاء وهم في العراء، في مشهد يجسّد اختناق التجارة وانسداد الأفق السياسي معًا.
ورغم سعي كابول لكسر عزلتها الاقتصادية عبر توسيع الاتفاقات التجارية مع إيران، والاستفادة من خدمات الشحن الجوي التي وعدت بها الهند، وتوجيه الصادرات نحو آسيا الوسطى، فإن هذه الجهود لا تعوّض خسارة السوق الباكستاني الذي يستوعب أكثر من 40% من صادرات أفغانستان ويشكّل مسارها البري الحيوي نحو الجنوب.
وفي الوقت الذي تضغط فيه طالبان على التجار لوقف التعامل التجاري مع باكستان خلال 3 أشهر، يصف معارضو القرار بأنه "غير واقعي"، وسيؤدي إلى كارثة اقتصادية.
وتتفاقم الأزمة لأن التصعيد الاقتصادي جاء بعد غارات جوية باكستانية على كابول وقندهار، واشتباكات حدودية أوقعت عشرات القتلى، وطرد أكثر من مليون أفغاني من الأراضي الباكستانية.