منذ عودته إلى واشنطن قبل ثلاثة أشهر، أطاح الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بالوكالات الفيدرالية، وعزز سلطته التنفيذية، وتحدى التحالفات العالمية، وأعاد تشكيل العلاقات الاقتصادية الأمريكية حول العالم، لكن قوة وحيدة استطاعت إيقافه، هي "وول ستريت".
و"وول ستريت" هي أشهر وأقوى بورصة مالية في العالم، وتعرف أيضا ببورصة نيويورك، وتعدُّ قلب صناعة المال في أميركا والعالم، إذ ارتبط اسمها أيضا بأحداث صنعت تاريخ الاقتصاد المعاصر.
وبحسب تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال"، اضطرّ ترامب في الأسابيع الأخيرة لتخفيف حدة مواقفه الاقتصادية والتجارية عقب فترات من الاضطراب في السوق.
انهيار سوق الأسهم
ففي مطلع هذا الشهر، فرض تعليقاً لمدة 90 يوماً على العديد من الرسوم الجمركية التي كان قد فرضها قبل أيام قليلة، وذلك في ظل انهيار سوق الأسهم وهبوط حاد في أسعار السندات الأمريكية، مما أثار قلق المستثمرين.
وهذا الأسبوع، خفف من حدة لهجته تجاه الصين بعد زيادة الرسوم الجمركية على الواردات منها إلى 145%. واستبعد في الوقت الحالي محاولة إقالة رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، بعد أن أدت تصريحاته العلنية حول إقالته إلى هبوط حاد آخر في السوق.
ويُجادل ترامب ومسؤولو البيت الأبيض بأن هذه التراجعات الحادة تعدّ جزءاً من خطة طويلة الأجل لإجبار الحلفاء والخصوم على حد سواء على إبرام صفقات تجارية مع الولايات المتحدة. ويؤكدون أن الرئيس لا يزال مُصمّماً على الوفاء بتعهده بإعادة ضبط التجارة العالمية.
ولكن في كل سيناريو، قُدّمت لترامب أدلة من مساعديه ووزراء حكومته، بمن فيهم وزير الخزانة سكوت بيسنت ووزير التجارة هوارد لوتنيك، على أن التمسك بقراراته سيؤدي إلى مزيد من الفوضى في الأسواق، وفقاً لأشخاص مُطّلعين على الأمر.
قلق من رسوم ترامب
وفي وقت سابق من هذا الشهر، أقرّ ترامب بأنه أوقف الرسوم الجمركية جزئياً لأنه كان يُراقب أسواق السندات وكان الناس يشعرون "بقليل من القلق".
وقال المتحدث باسم البيت الأبيض، كوش ديساي: "إن المصلحة الوحيدة التي تُوجِّه قرارات الرئيس ترامب هي المصلحة العليا للشعب الأمريكي".
كما يستمع الرئيس بانتظام إلى تصريحات من مسؤولين تنفيذيين قلقين بشأن تأثير سياساته التجارية على أرباحهم. ويوم الاثنين، التقى ترامب بكبار المسؤولين التنفيذيين في أكبر متاجر التجزئة في البلاد، بما في ذلك "تارغت وول مارت" و"هوم ديبوت". ووجّهوا تحذيراً صارخاً للرئيس من أن الرسوم الجمركية قد تعطل سلاسل التوريد وترفع الأسعار، وفقاً لأشخاص مطلعين على النقاش.
ترامب يراقب الأسواق
وقال مستشارو ترامب الحاليون والسابقون إنه يراقب الأسواق عن كثب، وبصفته مستهلكاً شغوفاً لوسائل الإعلام، لا يمكنه تجنب التقلبات الحادة التي عُرضت على شاشات التلفزيون وعلى الصفحات الأولى لأسابيع.
وقال ديفيد أوربان، المستشار السياسي السابق لترامب: "إنه ينظر إلى الأسواق كمقياس لكيفية سير الأمور". وأضاف "من وجهة نظره، إنها مقياس مهم لرأي الناس في الحياة والعالم المالي".
لكن أهداف ترامب المزدوجة المتمثلة في تعزيز مكاسب السوق وإعادة الصناعات الأمريكية إلى "الوطن" من خلال فرض رسوم جمركية صارمة تتعارض أحياناً.
وقال أوربان: "هناك هذا التوتر المتأصل بين حب الرئيس للأسواق وازدرائه للعامل الأمريكي". وأضاف "هذا هو التوتر الذي نشهده الآن. هاتان العقليتان تتجهان في اتجاهين متعاكسين إلى حد كبير".
الانخفاض الكبير
ومنذ تولي ترامب منصبه، انخفض مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنحو 10%، وهو أسوأ أداء للمؤشر في أول 94 يوماً من أي فترة رئاسية مسجلة، وفقًا لبيانات سوق داو جونز. وتعود بيانات ستاندرد آند بورز إلى عام 1928.
ولطالما نسب ترامب لنفسه الفضل عندما كانت الأسواق ترتفع، ونأى بنفسه عنها عندما كانت تنخفض. وكثيراً ما يجادل بأنه ورث سوقاً "مريضة" من الرئيس السابق جو بايدن. كما كان حذّر خلال حملته الرئاسية من أن انتخاب نائب الرئيس آنذاك كامالا هاريس سيؤدي إلى "انهيار كامالا" و"كساد على غرار عام 1929".