بينما يشهد الدولار تراجعاً حاداً لم يُسجل مثيله منذ عقدين، مما يثير تساؤلات حول أسس الاقتصاد الأمريكي، إلا أن الرئيس دونالد ترامب، يبدي رضاه الذي يستمده من "فوز" رهاناته الاقتصادية، وفق تقرير لصحيفة "لوفيغارو" الفرنسية.
وأدى الشلل المالي الناتج عن الإغلاق الحكومي إلى تفاقم هذا الانهيار، حيث فقد الدولار أكثر من 10% من قيمته مقابل سلة عملات دولية، و15% مقابل اليورو، مقترباً من عتبة 1.20 دولار لليورو، وهو مستوى لم يتجاوزه منذ يونيو 2021.
وهذا التراجع، الذي يُعتبر أسوأ أداء للدولار في عام 2025 حتى الآن، يأتي رغم رضا الأسواق المالية عن سياسات الرئيس دونالد ترامب، حيث استأنفت بورصة نيويورك ارتفاعها بدعم من أسهم الذكاء الاصطناعي بعد صدمة الرسوم الجمركية في أبريل.
ومع ذلك، لا يبدو هذا الانهيار مصدر قلق لترامب، بل على العكس، إنه يُسعده، حيث يرى الرئيس الأمريكي في تراجع الدولار فرصة لتعزيز الصادرات، إذ يعيق الدولار القوي بيع المنتجات الأمريكية مثل الجرارات والشاحنات.
وكثيراً ما صرّح ترامب بأن هدفه هو خفض قيمة العملة الوطنية دون التخلي عن هيمنتها العالمية. وقال مؤخراً: "عندما يكون الدولار قوياً، يبدو الأمر واعداً، لكننا لا نمارس السياحة. لا نستطيع بيع الجرارات، ولا الشاحنات، ولا أي شيء آخر".
وإن كان يبدو ظاهرياً أن الرهان يتحقق، حيث يدعم ترامب تطوير العملات المستقرة الرقمية، المبنية على الدولار، لتعزيز نفوذ واشنطن في الأسواق الدولية، مما يسمح بتبادلها بالعملة الرسمية في أي وقت، إلا أن تحليل "لوفيغارو" يرى أن الأمر "أكثر تعقيداً".
ووفق تحليل الصحيفة الفرنسية، فإن الأسواق هي التي تحدد سعر الدولار، لا الإدارة الأمريكية، ورغم تأثير تصريحات الرئيس ومستشاريه في تشجيع التوقعات بالتراجع، إلا أن الاستياء يعكس مخاوف أعمق بشأن الاقتصاد الأمريكي، خاصة التضخم الذي تعزز في أغسطس، مدفوعاً بهوس الرسوم الجمركية التي ترفع أسعار السلع المستوردة.
ويتحوّط المستثمرون الأجانب ضد مخاطر الدولار، كما يظهر تحليل لأكثر من 500 صندوق استثمار متداول أجراه اقتصاديو دويتشه بنك. ويقلل هؤلاء من تعرضهم للدولار بوتيرة غير مسبوقة، مفضلين الصناديق المحمية على غير المحمية، مما يعني بيع كميات مماثلة من الدولار مقابل كل عملية شراء للأصول الأمريكية.
ويؤثر تغيير مسار البنوك المركزية أيضاً على أداء الدولار، خاصة مقابل اليورو، رغم أن سعر الفائدة الرئيس في الولايات المتحدة (4-4.25%) أعلى منه في منطقة اليورو (2%)، إلا أن الأسواق تتأثر بفترة الاستراحة في البنك المركزي الأوروبي مقابل بداية تخفيف السياسة في الاحتياطي الفيدرالي.
إلا أن فرانسوا فيليروي دي غالهاو، محافظ بنك فرنسا، يقول "يجب ألا نكون ساذجين ونعتقد أن اليورو سيحل محل الدولار قريباً. تعزيز دور اليورو لا يعني ارتفاع سعره". ويخشى أن يلعب ترامب بالنار، إذ قد يتجاوز الدولار عتبة حرجة تؤدي إلى مبيعات ضخمة للأوراق المالية المقومة به، أو حتى أزمة مالية عالمية.
وتستذكر "لوفيغارو" عبارة وزير الخزانة جون كونالي في 1971: "الدولار عملتنا، ولكنه مشكلتكم". هذه الحقيقة لا تزال قائمة، حيث يهدد انهيار الدولار الاقتصاد العالمي بأكمله.