logo
في العمق
فيديو

الذهب يشتعل.. الوجه الخفي لحروب النفوذ في العالم؟

29 أبريل 2025، 9:00 ص

عام واحد بأكثر من ألف دولار، هكذا يمكنُ اختصارُ الارتفاعِ التاريخيِّ الذي شهدتْه أسعارُ الذهبِ عالميًّا، ففي ظلِّ بيئةٍ من عدمِ اليقينِ الاقتصاديِّ والجيوسياسيِّ، عادَ الذهبُ للظهورِ بقوّةٍ كعنصرٍ أساسيٍّ في الاستراتيجياتِ الاقتصاديّةِ للدولِ الكبرى، بعيدًا عن كونِه مجرّدَ مخزونٍ احتياطيٍّ، ليُصبحَ "ورقةً سياسيّةً" في صراعِ النفوذِ.

فكلّما اهتزّتِ الثقةُ بالعملاتِ الورقيّةِ أو اشتدّتْ حدّةُ التوتّراتِ الدوليّةِ، ارتفعَ بريق المعدن الأصفر.

"درع مالي" في عالم مضطر

في يناير 2025، أعلنت البنوك المركزية في مختلف أنحاء العالم أنها اشترت أكثر من 1000 طن من الذهب خلال العام السابق، كما ارتفعت أحجام تداول الذهب العالمية بنسبة 20% في يناير، مدفوعة بزيادة أحجام التداول سواء داخل أسواق المال أو خارجها، وقفز الذهب بنحو 30% منذ بدية العام وبنحو 8% منذ إعلان ترامب عن الرسوم الجمركية الشاملة.

الأرقام والأمثلة كثيرة لكن القاسم المشترك الوحيد هو أنّ المستثمرين عادة يتجهون إلى الملاذات الآمنة لحماية رؤوس أموالهم من الخسائر عندما تكون الأسواق متقلبة، حيث يساعد دعم  القطاع الرسمي للذهب في ضمان استقراره في الأوقات الصعبة مقارنة مع المعادن النفسية الأخرى وفق تقرير صادر عن بنك "يو بي إس" وهو ما يفسر الأداء القوي الذي يحققه الذهب.

ويقول المدير الإداري المركزي لشركة جولد سيلفر في سنغافورة براين لان: "سيظل الذهب قويا طالما هناك حالة من عدم اليقين".

لكن هل ينطبق الكلام فقط على الأفراد والمستثمرين أم أن الأمر أعقد وأكبر من ذلك؟

"الذهب" أداة جيوسياسية لرسم توازنات جديدة

بدأت الدول الكبرى مثل الصين وروسيا ببناء استراتيجيات تهدف إلى تقليل الاعتماد على الدولار، مما دفعها إلى تعزيز احتياطياتها من الذهب. الصين، على سبيل المثال تقوم بتشجيع استخدام اليوان المدعوم بالذهب في بعض التبادلات التجارية الثنائية، وهو ما يُعتبر خطوة نحو نظام مالي متعدد الأقطاب وفي خطوة غير مسبوقة، سمحت الحكومة الصينية لأول مرة لشركات التأمين في البلاد بشراء الذهب مما يفتح الباب أمام استثمار محتمل قدره 27.4 مليار دولار في المعدن الأصفر.

وبينما تشير التقديرات إلى أنه يتم استخراج 3000 طن من الذهب سنويا، فإن الصين هي من استخرجت أكبر كمية من الذهب خلال 2024، تليها روسيا وكندا والولايات المتحدة.

عن روسيا التي كانت أكثر المتأثرين من العقوبات الغربية، فقد لجأت إلى الذهب بشكل مكثف و شهدت السنوات الأخيرة زيادات كبيرة في احتياطياتها من المعدن النفيس وبحسب تقارير البنك المركزي الروسي، فإن البلاد تمتلك اليوم أكثر من 2,300 طن من الذهب، وهو ما يمثل نحو 20% من احتياطياتها الدولية.

وفي السياق نفسه، تركيا التي تعرضت لارتفاع معدلات التضخم قامت بتعزيز احتياطياتها ما جعل الذهب يشكل 30% من إجمالي احتياطياتها الرسمية، وذلك في محاولة لتقوية موقفها المالي ضد المخاطر الاقتصادية.

دول أخرى مثل البرازيل والهند أكدت على أهمية الذهب كوسيلة لتقليص المخاطر المرتبطة بالأسواق المالية الغربية والتحديات التي يواجهها الدولار.

وهذا ما يفسر الارتفاع الكبير في أسعار الذهب مقابل تراجع العملة الأمريكية إلى أدنى مستوى لها منذ 3 أعوام وسط تدهور ثقة المستثمرين خاصة في ظل التهديدات المتكررة لاستقلالية البنك المركزي الأمريكي ووصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لرئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم بالفاشل على خلفية قراراته بشأن الفوائد.

مستقبل الذهب

مع ارتفاع وتيرة التغيرات في الأسعار والحالة الجنونية في الأسواق العالمية، أظهرت التوقعات من غولدمان ساكس أن الذهب قد يصل إلى 3700 دولار للأونصة بنهاية 2025، وأن السعر قد يتجاوز 4000 دولار للأونصة بحلول منتصف 2026.

وتستند هذه التوقعات إلى العوامل الجيوسياسية المتزايدة والطلب المتزايد على الذهب كأداة دفاعية، فمن المتوقع استمرار عمليات الشراء القوية للذهب من القطاع الرسمي وطلب التنويع من أجزاء المجتمع الاستثماري الأقل حساسية لأسعار الفائدة.

بينما ترى الشعوب الذهب مخزنًا للقيمة في وجه التضخم، تستخدمه الدول كأداة استراتيجية لتقوية احتياطاتها أو كوسيلة ضغط ناعمة في صراعات النفوذ المالي.

فلم يعد الذهب مجرد معدن ثمين، بل لاعبا محوريا في لعبة الشطرنج الاقتصادية العالمية، تُرسم من خلاله ملامح الصراع بين الدولار والعملات البديلة، وتُدار حوله حروب صامتة بين البنوك المركزية الكبرى.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC