لمن يتساءل عن أسباب تحسن حالته النفسية في أكتوبر، ألا يبتعد كثيرا في افتراضاته، فالأمر لا يتعلق بالشوق إلى البرد بعد صيف لاهب، أو ببهجة المطر الذي غسل غبار ودخان فصل الحرائق، أو بالمفاجأة البريطانية غير المسبوقة باختيار ريشي سوناك ذي الأصول الهندية، للجلوس على كرسي ونستون تشرشل نفسه في 10 دوانينغ ستريت، عندما كانت القارة الهندية جوهرة تاج الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.

الأمر أبسط من ذلك بكثير، فالسر يكمن في مناسبة أممية سعيدة، هي اليوم العالمي للصحة النفسية، وقد منحت هذه المناسبة منذ حلولها في العاشر من الشهر الجاري، كل شخص جرعة تفاؤل وإيجابية، وسعادة صافية توزع ظلها على امتداد الشهر البهيج!.

في احتفاليته الرصينة باليوم العالمي للصحة النفسية، وجه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس رسالة طمأنة للجميع، دعا فيها إلى جعل الصحة النفسية أولوية عالمية، ورغم إعلانه عن إحصائية مرعبة بالنسبة له، حول وجود مليار شخص يعانون من مشكلة على الصعيد النفسي، إلا أنه بشرنا بأن "الأمم المتحدة ملتزمة بالعمل مع الشركاء لتعزيز الرفاه النفسي".

أقر غوتيريس بأن "الصحة النفسية تظل أحد جوانب الرعاية الصحية الأكثر تعرضا للإهمال"، وبكثير من الدهشة فضح سرا مسكوتا عنه: "في بعض البلدان هناك فقط عاملان في مجال الصحة النفسية لكل مئة ألف شخص، والتداعيات الاجتماعية والاقتصادية المترتبة على ذلك عميقة، فالقلق والاكتئاب وحدهما يكلفان الاقتصاد العالمي ما يقدر بنحو تريليون دولار سنويا".

خلاصات مرافعة الأمين العام كانت بالغة البساطة، وحلوله طوع أمر الإرادة: " يجب أن نعزز قدرة دوائر الخدمات الصحية على توفير رعاية جيدة لمن يحتاجها، ولا سيما الشباب.. الاستثمار في الرفاه النفسي يعني الاستثمار في مجتمعات صحية ومزدهرة، ويجب علينا أيضا أن نتصدى للوصم والتمييز، وأن نكسر الحواجز التي تمنع الناس من التماس الرعاية والدعم، وتلافي الأسباب الجذرية لنشوء مشاكل على صعيد الصحة النفسية"!.

تدبيج الخطب مهنة شاقة، خاصة لمن يشغل منصب الأمين العام للأمم المتحدة، وهو المطالب بتوجيه رسالة في كل يوم عالمي، وهذه" الأيام"، قلما تأخذ إجازة أسبوعية في التقويم الأممي، فما أصعب الاكتفاء بكلمات من قاموس التفاؤل لنثرها بكل اللغات على المحتفلين باليوم العالمي للغة برايل و"البقول" و"الإذاعة" و"الأراضي الرطبة" و "الأحياء البرية" و"السل" و"الضمير" و"الملكية الفكرية" و"الشاي" و"الشطرنج" و"السياحة" و"القطن" و"الطيور المهاجرة" و"الإحصاءات" و"المرأة الريفية".

لمن فاته شيء من سعادة أكتوبر، ولم يبلغ توازنه النفسي حد الاكتمال، فنوفمبر على الأبواب، وليستعد منذ الآن للتحليق مع الخطب الأممية الحماسية في اليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين و"التوعية بأمواج تسونامي" و"منع استخدام البيئة في الحروب والصراعات العسكرية" و"مرضى السكري" و "التسامح" و"الفلسفة"، وليشحذ الأكف للتصفيق في اليوم العالمي لدورات المياه!.

آخر الاخبار

ترند

اليوم العالمي للصحة النفسية

أكتوبر أحلى الشهور

تابعونا على

من نحن

تواصل معنا

أعلن معنا

سياسة الخصوصية

شروط الإستخدام

من نحن

تواصل معنا

أعلن معنا

سياسة الخصوصية

شروط الإستخدام