لم يعد الأمر مجرد كبوة عابرة أو سوء طالع يلازم الفريق أمام المرمى؛ فالتعادل الثالث على التوالي الذي سقط فيه ريال مدريد، وضع مشروع المدرب تشابي ألونسو بالكامل تحت المجهر.
تلك النتيجة المخيبة لم تكشف فقط عن نزيف النقاط، بل أماطت اللثام عن خلل هيكلي يضرب عمق التشكيلة الملكية، حيث يبدو أن الحلول الفردية التي طالما أنقذت الفريق باتت هي نفسها المشكلة.
ثمة مثلث برمودا يتشكل في مقدمة الفريق ووسطه، يبتلع التوازن التكتيكي الذي يحاول ألونسو فرضه، وأضلاعه الثلاثة هم أبرز نجوم العالم: بيلينجهام، فينيسيوس، ومبابي.
الضلع الأول في هذا المثلث المعقد يتمثل في دور جود بيلينغهام. النجم الإنجليزي يعشق التقدم لأخذ أدوار هجومية بحتة، وهو أسلوب كان ناجحاً وفعالاً في حقبة ما قبل كيليان مبابي، حينها كانت الخطة تحتمل وجود ثلاثة لاعبي وسط خلفه يتمتعون بخصائص بدنية ودفاعية قوية قادرين على تغطية المساحات واستعادة الكرات.
لكن الوضع تغير جذرياً الآن؛ فلا يمكن لبيلينغهام أن يترك مركزه ويتقدم، بينما يقف خلفه في خط الوسط لاعب بخصائص أردا جولر. النجم التركي الشاب، ورغم موهبته الفذة، لا يمتلك القدرة البدنية ولا الشراسة الدفاعية اللازمة لتغطية تقدم بيلينجهام.
ولعل هدف عز الدين أوناحي في مباراة الأمس كان الدليل الدامغ على هذا الخلل؛ حيث ظهر بوضوح غياب الضغط الفعال في العمق وسهولة اختراق الوسط؛ ما جعل الدفاع مكشوفاً تماماً أمام الخصم، فتوليفة بيلينجهام المتقدم وجولر في الوسط هي انتحار تكتيكي يكلف الفريق توازنه.
الضلع الثاني يتعلق بالبرازيلي فينيسيوس جونيور، الذي يبدو أنه يواجه صعوبة – أو عدم رغبة – في الالتزام بتعليمات ألونسو التكتيكية الجديدة. فلسفة تشابي تعتمد كثيرًا على توسيع الملعب، وهو ما يتطلب من الجناح البقاء على الخط لفتح الثغرات في دفاعات الخصم المتكتلة.
إلا أن فيني لا يزال أسيرًا لعادته القديمة؛ التوغل المفرط نحو العمق والقلب، وهي المنطقة المزدحمة أصلًا بوجود مبابي وبيلينجهام. وقد ظهر في المباراة تشابي ألونسو وهو يصرخ موجهًا فينيسيوس للعودة والالتزام بالخط الجانبي، في إشارة واضحة لعدم رضا المدرب عن التمركز العشوائي الذي يقتل المساحات بدلًا من خلقها.
أما الضلع الثالث والأخير، فهو كيليان مبابي، رقميًّا، لا يمكن المساس بالفرنسي؛ فهو هداف الفريق والأفضل هذا الموسم بلا منازع في زيارة الشباك. لكن كرة القدم الحديثة، وخاصة في أسلوب ألونسو، تتطلب من المهاجم أن يكون أول مدافع.
مشكلة مبابي الحقيقية تكمن في عملية الضغط العكسي، فدوره في استعادة الكرة يكاد يكون معدومًا؛ ما يمنح مدافعي الخصم راحة كبيرة في بناء الهجمات من الخلف. هذه الأزمة قد تكون متوارية حاليًّا خلف دخان الأزمات الأخرى وسوء مستوى بعض اللاعبين لكنها قنبلة موقوتة.
بمجرد أن يستقر الفريق وتُحل مشاكل الوسط والأطراف، سيجد مبابي نفسه في مواجهة مباشرة مع الانتقادات؛ لأن التخاذل في أداء الواجب الدفاعي سيصبح العيب الأبرز والظاهر للعيان، ولن يشفع له تسجيل الأهداف حينها إذا كان الفريق يستقبل اللعب بسببه.