في ظل التنافس المحتدم الذي تشهده أندية دوري روشن السعودي، لم تعد قوة النادي تقاس فقط بقدرته على استقطاب أبرز نجوم العالم بصفقات مالية ضخمة.
بل ظهر عامل حاسم آخر يميز الأندية الأكثر حنكة وهو القدرة على إدارة ملف خروج اللاعبين بذكاء، وتحقيق أقصى استفادة مالية وفنية ممكنة.
وفي هذا الصدد، أظهرت المعطيات الأخيرة أن النادي الأهلي قد قدم نموذجاً فريداً ودرساً في إدارة الميركاتو، يبدو أنه قد غاب عن استراتيجيات العملاقين الآخرين، الهلال والنصر.
إدارة الأصول: ميزة الأهلي الاستباقية
تتلخص الفلسفة التي يتبعها النادي الأهلي في التعامل مع لاعبيه في تحويلهم إلى أصول مالية يمكن تحقيق عائد مجز منها.
فقد نجح الأهلي في تسويق عدد من لاعبيه بشكل احترافي، محولًا إياهم من لاعبين على أعتاب نهاية عقودهم إلى مصادر دخل مهمة.
هذا النجاح يبرز بشكل جلي في صفقات البيع التي أبرمها، والتي تمكن من خلالها من بيع لاعبين هذا الصيف محققاً عوائد إجمالية تقارب 30 مليون يورو من بيع الثلاثي ألكساندر وفيرمينو وغابري فيغا.
هذه الأرقام لا تظهر فقط براعة في التفاوض، بل تكشف عن استراتيجية استباقية لمنع أي لاعب ذي قيمة من مغادرة النادي بشكل مجاني، مما يحافظ على استقرار النادي المالي ويمنحه مرونة أكبر في سوق الانتقالات.
تحديات البيع: أزمة الهلال والنصر
على النقيض من ذلك، يواجه الهلال والنصر تحديات كبيرة في إدارة ملف خروج لاعبيهم، ما يضع علامات استفهام حول كفاءة استراتيجياتهم في هذا الجانب.
فالهلال، الذي يمتلك قائمة من اللاعبين المؤثرين، واجه صعوبة في الاستفادة من بيع بعض نجومه، بل خسرهم مجانًا، ولعل أبرز الأمثلة على ذلك هو رحيل لاعبين مهمين مثل نيمار وأندريه كاريو وميشايل دون أن يستفيد النادي من أي عائد مالي من ورائهما، مما أدى إلى نزيف في أصول النادي كان يمكن توجيهها لتعزيز صفوف الفريق.
أما النصر، فتبدو المشكلة لديه أكثر تعقيداً، فالنادي لم يواجه صعوبة في بيع اللاعبين فقط، بل واجه تحدي الحفاظ على قيمة لاعبيه الأساسيين، حيث شهدت أسماء مثل أندرسون تاليسكا وسيكو فوفانا تراجعاً في قيمتها السوقية على الرغم من ذلك باعهم بقيمة تقارب تلك التي باع بها الأهلي هذا الصيف.
لكن الأخطر من ذلك، أن النصر خسر بشكل متتالٍ عددًا من اللاعبين البارزين دون مقابل، مثل ديفيد أوسبينا، أليكس تيليس، لويس غوستافو، نور الدين أمرابط، وأحمد موسى.
هذه القائمة الطويلة من اللاعبين الذين غادروا كوكلاء أحرار تسلط الضوء على قصور واضح في إدارة عقود اللاعبين، وتؤدي إلى إضعاف القوة المالية والفنية للفريق على المدى الطويل.
ما وراء الأرقام: تعقيدات السوق
من المهم الإشارة إلى أن إدارة سوق الانتقالات ليست عملية بسيطة، بل هي محكومة بالعديد من المتغيرات، مثل رغبة اللاعب في الرحيل، وطول فترة عقده، والسياسة المالية للنادي.
ورغم أن الأهلي قد نجح في تحقيق مكاسب من بيع لاعبيه، فإن ذلك لا ينفي وجود بعض الحالات التي قد يضطر فيها النادي للتخلي عن لاعب مجانًا.
ومع ذلك، فإن نجاح النادي الجداوي في تحويل اللاعبين إلى استثمار مربح، يقابله سوء توفيق كبير لدى أندية أخرى في تحقيق نفس الهدف.
استراتيجية الميركاتو الشاملة
ختاما، يظهر تحليل سوق الانتقالات أن النجاح الحقيقي ليس فقط في امتلاك القدرة الشرائية، بل في القدرة على تحقيق التوازن بين الشراء والبيع.
فبينما يركز الهلال والنصر على استقدام النجوم لتعزيز صفوفهما، أظهر الأهلي أنه يمتلك استراتيجية أكثر شمولية تضمن الحفاظ على القيمة المالية لأصوله.
وهذا النهج، وإن بدا بسيطًا، إلا أنه يمثل الدرس الأهم في الميركاتو الحديث: النجاح لا يقاس فقط بمن يدخل النادي، بل بمن يخرج منه وكيف.