لم تكن ليلة عادية في افتتاح مشوار نسور قرطاج بكأس الأمم الإفريقية 2025؛ فالفوز العريض الذي حققه المنتخب التونسي على نظيره الأوغندي بثلاثة أهداف مقابل هدف، لم يكن مجرد ثلاث نقاط في رصيد المجموعة الثالثة، بل كان بمثابة إعلان نوايا صريح من المدرب سامي الطرابلسي بأن تونس جاءت إلى المغرب للمنافسة على اللقب، وليست مجرد ضيف شرف في مجموعة الموت.
وبعيداً عن لغة الأرقام والنتيجة النهائية، كشفت المباراة عن نضج تكتيكي كبير وإدارة فنية محكمة من خارج الخطوط. لقد نجح الطرابلسي في فرض أسلوبه منذ الدقيقة الأولى وحتى صافرة النهاية، معتمداً على خلطة سحرية جمعت بين الخبرة والشباب، والهدوء والشراسة الهجومية.
وفيما يلي نستعرض 5 أسباب جوهرية رسمت ملامح هذا الانتصار المستحق، وجعلت من تونس الرقم الصعب في البطولة مبكراً:
1. هدف السخيري.. ضربة البداية وإراحة الأعصاب
في بطولات مجمعة ومضغوطة مثل الكان، تكون البدايات دائماً محفوفة بالمخاطر، وغالباً ما تسيطر العصبية على أداء المنتخبات الكبيرة أمام المنافسين الأقل تصنيفاً. لكن تونس كسرت هذه القاعدة بفضل الهدف المبكر الذي سجله القائد إلياس السخيري في الدقيقة العاشرة.
هذا الهدف كان بمثابة مخدر لتوتر البدايات، حيث منح اللاعبين ثقة هائلة وحرر أقدامهم من الضغوط، وفي المقابل، أربك حسابات المنتخب الأوغندي الذي وجد نفسه مجبراً على فتح خطوطه مبكراً، مما سهل مأمورية النسور في باقي دقائق الشوط الأول.
2. توهج الأطراف.. العاشوري في حالة رائعة
لا يمكن الحديث عن الفوز دون التوقف طويلاً عند الأداء الخرافي لإلياس العاشوري، رجل المباراة الأول. لقد قرأ الطرابلسي المباراة جيداً باستغلال المساحات خلف أظهرة أوغندا، ومنح العاشوري حرية الحركة التي توجت بتسجيله هدفين.
تألق العاشوري لم يكن في التسجيل فقط، بل في قدرته على المراوغة والاختراق، مما جعل الأجنحة التونسية جحيماً لدفاعات الخصم، وهو ما خفف العبء عن المهاجم الصريح وشتت تركيز المدافعين.
3. كماشة الوسط.. حنبعل والسخيري
المعركة الحقيقية في إفريقيا تدار دائماً في وسط الملعب، وهنا تفوقت تونس بامتياز. الثنائية المتناغمة بين إلياس السخيري وحنبعل المجبري منحت تونس السيطرة المطلقة.
السخيري قام بدور ضابط الإيقاع والمفسد لهجمات الخصم قبل أن تبدأ، بينما تكفل حنبعل المجبري بالربط بين الخطوط والزيادة العددية الهجومية. هذا التوازن سمح لتونس بامتلاك الكرة وحرمان أوغندا من بناء أي هجمة منظمة طوال الـ 70 دقيقة الأولى.
4. دكة بدلاء تزن ذهباً
من أهم علامات المدرب الناجح هي قراءته لمتغيرات الشوط الثاني، وهو ما فعله الطرابلسي بامتياز. ففي اللحظات التي بدأ فيها الجهد البدني ينخفض، تدخل المدرب بضخ دماء جديدة عبر إشراك محمد علي بن رمضان وإسماعيل الغربي.
نزول هؤلاء اللاعبين لم يكن لمجرد استهلاك الوقت، بل حافظ على الريتم العالي للفريق، ومنح تونس نفساً ثانياً، مما منع أوغندا من التفكير في العودة للمباراة، وأثبت أن تونس تمتلك فريقين لا فريقاً واحداً.
5. شخصية البطل.. الثبات الانفعالي
أخيراً، ظهر المنتخب التونسي بشخصية البطل التي افتقدها في بعض النسخ السابقة. فرغم المحاولات الأوغندية على فترات متباعدة، ورغم استقبال هدف متأخر في الوقت بدل الضائع، إلا أن الفريق لم يهتز، ولم يفقد تنظيمه الدفاعي.
الهدوء الذي لعب به الفريق، والقدرة على تسيير المباراة بعد التقدم، والتعامل بذكاء مع الاندفاع البدني للخصم، كلها مؤشرات تؤكد أن الطرابلسي زرع عقلية الفوز في لاعبيه، وهي العقلية التي قد تذهب بنسور قرطاج بعيداً جداً في هذه النسخة.