يُقدم نادي الاتحاد السعودي لجماهيره هذا الموسم لغزا محيرا؛ فريق بوجهين قادر على تقديم أداء بطولي يُسقط به الوحش الكاسر النصر، الذي بدا في بداية الموسم كقوة لا تُقهر في سباق الدوري، ثم يستدير ليقدم أداءً باهتًا وعاجزًا في معارك الدوري نفسها، بسلسلة وصلت إلى أربع مباريات متتالية دون فوز.
هذه الازدواجية الصارخة تطرح سؤالا جوهريا: كيف يمكن لـ قاتل الكبار أن يبدو بهذا الضعف في سباق النفس الطويل؟
الانتصار المثير على النصر في الكأس أثبت أن الإمكانيات موجودة، لكن الانهيار في الدوري يكشف عن أربع مشكلات هيكلية عميقة، تحول العميد من بطل مرشح إلى فريق متذبذب.
يُعرف المدرب البرتغالي سيرجيو كونسيساو بفلسفته الهجومية الشرسة والضغط العالي المستمر، هذه الخطة، التي يمكن وصفها بـ الانتحار التكتيكي أو هجوم بلا دفاع، هي سلاح مثالي لمباريات خروج المغلوب. في 90 دقيقة، يمكن لهذا الأسلوب أن يخطف المباراة من أي خصم، مهما بلغت قوته، كما حدث تماما أمام النصر، حيث نجح الاتحاد في مباغتة الوحش وإرباكه.
لكن في ماراثون الدوري، تتحول هذه الخطة إلى كارثة. سباق النفس الطويل يتطلب التوازن، والمرونة التكتيكية، والقدرة على تأمين الدفاع. الاعتماد على الهجوم الشامل طوال الموسم يترك خطوط الفريق الخلفية مكشوفة تماما؛ وهو ما استغلته الفرق الأقل قوة، التي أصبحت قادرة على امتصاص الضغط ثم معاقبة الاتحاد بهجمات مرتدة قاتلة.
هناك شعور متزايد بأن نجوم الاتحاد الكبار مستكبرون على معارك الدوري المحلي. بعد تحقيق اللقب في الموسم الماضي يبدو أن اللاعبين شبعوا من هذا التحدي، وأصبح تركيزهم منصبا على البطولات التي لا تحتاج إلى استمرارية طويلة، بل إلى مباريات قمة يُظهرون فيها قيمتهم الحقيقية، مثل الكؤوس أو دوري أبطال آسيا.
هذا التمرد الصامت يخلق فريقا مزاجيا؛ يلعب بروح قتالية استثنائية أمام الكبار ليثبت أفضليته، ثم يدخل مباريات الدوري الأقل بريقا بنصف مجهود، معتقدا أن اسمه وحده كافٍ للفوز. هذا الاستهتار هو السبب المباشر لإهدار النقاط السهلة.
3. أزمة الروح (الاعتراف القاتل)
هذا ليس مجرد تحليل، بل اعتراف خرج من المدرب كونسيساو نفسه، في أحد تصريحاته الصحفية الأخيرة، أشار المدرب صراحة إلى أن الفريق يعاني من أزمة روح في الدوري، وأن اللاعبين فقدوا الجوع القتالي الذي ميزهم.
عندما يفقد الفريق روحه، تفشل كل الخطط التكتيكية. الروح هي وقود الاستمرارية في الدوري. غيابها يعني أن اللاعبين لا يقاتلون على الكرات المشتركة، ولا يضغطون لآخر دقيقة لاستعادة النقاط. هذا الفراغ الذهني هو نتيجة مباشرة لتمرد النجوم؛ وهو ما يجعل الفريق هشا أمام أي منافس يمتلك الحد الأدنى من التنظيم والروح.
4. قوة المنافسين: الدوري لم يعد سهلا
يجب الاعتراف بأن الضحايا لم يعودوا ضحايا. دوري روشن السعودي هذا الموسم أصبح أقوى وأكثر شراسة. الفرق التي كانت تُعتبر صغيرة أو متوسطة أصبحت تمتلك محترفين على مستوى عالٍ، ومدربين يقرأون الخصوم جيدا.
هذه الفرق لم تعد تخاف من اسم الاتحاد. أصبحت تدخل المباراة وهي تدرك تماما الانتحار التكتيكي لكونسيساو، وتعرف الاستهتار الذي يلعب به نجومه. أصبح الاتحاد خصما مكشوفا، والفوز عليه لم يعد يحتاج سوى للانضباط واستغلال المساحات، وهو ما تفعله الفرق المنظمة بنجاح، محولة العميد من وحش كاسر إلى فريسة سهلة في سباق الدوري.