في تصريح جديد يضاف إلى سلسلة هجومه المتكرر على الجوائز الفردية، وصف الأسطورة البرتغالي كريستيانو رونالدو جائزة الكرة الذهبية بـ"الوهمية".
جاء ذلك في رد فعل سريع ومقتضب بعد مباراة ودية مع فريقه النصر السعودي، حين سأله أحد الصحفيين عن رأيه في قائمة المرشحين للجائزة لعام 2025 وغيابه عنها مع وجود 3 لاعبين برتغاليين، ليرد بكلمة واحدة "وهمية" (Ficticio) ويغادر المكان.
هذا التصريح، الذي قد يبدو عابراً، هو في الحقيقة أحدث فصول "حرب" يشنها رونالدو على الجائزة التي طالما شكلت جزءاً أساسياً من تاريخه، مكرراً اتهاماته بأنها أصبحت "فاقدة للمصداقية" و"فاسدة".
من المفارقات أن رونالدو هو ثاني أكثر لاعب في التاريخ تتويجاً بالكرة الذهبية بخمس مرات، وهو ما يجعل هجومه الحالي يبدو وكأنه يطعن في قيمة إنجازاته الشخصية.
لكن بالنظر أعمق إلى دوافعه، يمكن تفسير موقفه عبر عدة نقاط مترابطة تشكل استراتيجيته في هذه المعركة.
1. "إذا لم أفز، فلتخرب اللعبة"
الدافع الأول والأكثر تبسيطاً يتعلق بمنافسه الأزلي، ليونيل ميسي، الذي يتربع على عرش الجائزة بثمانية ألقاب.
في هذا السياق، قد يرى البعض أن تشكيك رونالدو في نزاهة الجائزة بشكل عام هو محاولة لتقويض الإنجاز التاريخي لميسي.
فإذا كانت الجائزة "فاسدة"، فإن الفارق بينهما يصبح بلا معنى، وهو ما يمثل مكسباً معنوياً لرونالدو في صراع "الأفضل في التاريخ".
يرى رونالدو ومناصروه أن نسخة 2017، التي فاز بها ليعادل رقم ميسي بخمس كرات ذهبية لكل منهما، كانت آخر نسخة عادلة من الجائزة.
ومنذ ذلك الحين، بدأت "فرانس فوتبول" تفقد مصداقيتها في نظره، إذ يعتبرون فوز ميسي في 2019 (حين حل رونالدو ثالثاً خلف فان دايك)، و2021، و2023 بمثابة الدليل القاطع على هذا التحوّل.
بهذا المنطق، هو لا يمحو تاريخه الشخصي، بل يحدد فترة زمنية معينة بدأت فيها الجائزة، من وجهة نظره، تخضع لمعايير غير عادلة وتفتقر الشفافية، وبالتالي فإن كراته الذهبية الخمس تبقى شرعية ومستحقة.
3. نضج فلسفي أم قناعة متأخرة؟
مع تقدمه في العمر وتجربته الواسعة، من المحتمل أن يكون رونالدو قد وصل إلى قناعة حقيقية بأن الجوائز الفردية بطبيعتها قاصرة عن تحديد اللاعب الأفضل في العالم بشكل دقيق.
فكرة القدم لعبة جماعية، ومستوى أي لاعب يتأرجح من مباراة لأخرى ومن شهر لآخر، وبالتالي، فإن اختزال موسم كامل في لاعب واحد قد يكون ظالماً ومجحفاً بحق آخرين قدموا أداءً استثنائياً.
هذا الموقف الفلسفي يعفيه من حرقة عدم الفوز ويضعه في مكانة الحكيم الذي تجاوز السعي وراء الألقاب الشخصية.
4. شعور بالظلم والتهميش
لا يمكن إغفال شعور رونالدو بالظلم لكونه خارج قائمة المرشحين للعام الثاني على التوالي، ليس بسبب تراجع مستواه، بل بسبب قراره بالانتقال إلى الدوري السعودي.
فرغم أنه أنهى عام 2023 هدافًا للعالم بـ54 هدفاً، تم تجاهل هذا الرقم بشكل كامل في ترشيحات "فيفا" و"فرانس فوتبول"، وهو ما اعتبره "الدون" دليلاً على أن الاختيارات أصبحت سياسية وتعتمد على مكان اللعب وليس الأداء الفعلي، مما عزز لديه فكرة المؤامرة والفساد.
"السوبر بالون دور".. فرصة دبلوماسية ضائعة
في خضم هذه الحرب الكلامية، تلوح في الأفق فرصة تاريخية قد تكون الخاتمة المثالية لصراع رونالدو وميسي: جائزة "السوبر بالون دور".
هذه الجائزة النادرة، التي لم تُمنح إلا مرة واحدة في التاريخ عام 1989 للأسطورة ألفريدو دي ستيفانو، يُشاع أن "فرانس فوتبول" قد تعيدها إلى الحياة في عام 2029 لتكريم أفضل لاعب في العقود الأخيرة.
من المنطقي أن يكون رونالدو وميسي هما المرشحان الأبرز لنيلها، لكن هجوم رونالدو الحاد والمستمر قد يقلل من فرصه بشكل كبير. فهذه الجائزة تعتمد على تصويت الصحفيين واللاعبين القدامى والخبراء، وهي الفئات التي يهاجمها رونالدو حالياً.
بدلاً من التصعيد، قد يكون من الحكمة أن يتبع "الدون" نهجاً أكثر دبلوماسية، يركز فيه على إرثه وأرقامه، ويترك الباب مفتوحاً أمام المصالحة مع المؤسسات الكروية.
فالفوز بـ"السوبر بالون دور" لن يكون مجرد كرة ذهبية سادسة، بل سيكون اعترافاً أبدياً بمكانته كأحد أعظم من لمسوا الكرة، وهي نقطة ثمينة عليه أن يتذكرها قبل إطلاق قذائفه التالية.