في عالم كرة القدم الحديثة، لم تعد الموهبة الفذة وحدها صك غفران للاعبين، ولم يعد الاسم اللامع كافياً لحجز مكان أساسي في تشكيلات المدربين الكبار.
ما يحدث اليوم داخل أروقة نادي الهلال السعودي بخصوص النجم البرتغالي جواو كانسيلو ليس مجرد أزمة عابرة، بل هو إعادة عرض لفيلم درامي سبق أن أخرجه بيب غوارديولا في مانشستر سيتي، ولكن يبدو أن إدارة الزعيم لم تقرأ السيناريو جيداً قبل التوقيع.
الخطيئة التي لم يغفرها غوارديولا
عندما قرر غوارديولا في شتاء 2023 التخلي عن كانسيلو، الذي كان وقتها مصنفاً كأفضل ظهير في العالم، اتهمه الكثيرون بالجنون، كيف تفرط في الجوهرة التي تصنع الأهداف؟ لكن بيب كان يرى قنبلة موقوتة تهدد استقرار غرفة الملابس.
الخطيئة الكبرى التي ارتكبها كانسيلو حينها كانت عدم تقبله لفكرة الجلوس على دكة البدلاء لصالح الشاب ريكو لويس، فتحول تذمره إلى سلوك سام أثر على المجموعة، فما كان من غوارديولا إلا أن طرده فوراً، مرسخاً قاعدة: لا أحد أكبر من الفريق.
شياطين الدكة تظهر في الرياض
اليوم، يدفع الهلال ثمن تجاهل تلك النصيحة الضمنية، لقد شرب "الزعيم" المقلب نفسه الذي حذر منه تاريخ اللاعب، بمجرد أن تولى سيموني إنزاغي الدفة، وتعرض اللاعب لإصابة أبعدته قليلاً، عادت الشياطين القديمة لتظهر.
التقارير تؤكد أن استبعاد كانسيلو من القائمة المحلية ليس قراراً فنياً بحتاً، بل هو قرار تأديبي؛ فاللاعب يرفض الواقع، ويلجأ للرسائل المشفرة عبر السوشيال ميديا لإثارة الجدل، تماماً كما فعل في إنجلترا.
سقوط القناع أمام ابن النادي
وجد إنزاغي، بصرامته الإيطالية، نفسه أمام المعادلة نفسها، لكنه وجد الحل في اللاعب المحلي حمد اليامي. المفارقة هنا أن اليامي يمتلك ما يفتقده النجم العالمي: الالتزام، الصمت، والتنفيذ الحرفي للتعليمات.
هنا، سقط قناع النجومية، وظهرت الحقيقة العارية التي أدركها غوارديولا قبله: اللاعب المتمرد عبء ثقيل مهما كانت مهارته، وتفضيل اليامي عليه هو انتصار لمبدأ الانضباط قبل الفنيات.
الدرس المكلف.. والرحيل المنتظر
شرعية قرار إنزاغي مستمدة من هذا التاريخ؛ فهو لا يظلم كانسيلو، بل يحمي فريقه من الفيروس الذي قد يفتك بروح المجموعة.
ويبدو أن الهلال يستعد لتصحيح المسار في الانتقالات الشتوية، متخذاً القرار نفسه الذي اتخذه السيتي وبرشلونة وبايرن ميونخ من قبل.
الدرس قاسٍ، ولكنه واضح: عندما يبيع غوارديولا لاعباً بوزن كانسيلو دون تردد، فابحث دائماً عن السبب في العقلية لا في القدم، وهي النصيحة التي لم يستمع لها المفاوض الهلالي إلا بعد فوات الأوان.