لعقود طويلة، بنت إدارة نادي ليفربول، وتحديداً تحت مظلة مجموعة "فينواي الرياضية"، سمعة قوامها الحكمة المالية، والتدقيق في كل يورو يتم إنفاقه.
كانت سياسة "اشترِ لتبيع" و"الاستثمار الذكي" هي السائدة، وهي فلسفة جلبت النجاح، لكنها في أحيان كثيرة كانت سبباً في إحباط الجماهير والمدربين على حد سواء.
لكن صيف 2025 يبدو مختلفاً، صيف قرر فيه النادي تدمير أسوأ عاداته، والسبب الأبرز يحمل اسماً واحداً: محمد صلاح.
مجد فردي وخيبة أمل جماعية
بعد موسم 2024-2025، الذي يمكن وصفه بـ"موسم صلاح العظيم"، وجد النجم المصري نفسه على قمة أرقامه الفردية، محطماً الأرقام القياسية كهداف وصانع لعب في أقوى دوريات العالم، لكنه في النهاية شاهد الألقاب الكبرى تتبخر من بين يديه.
بعد أن كان الحلم بالثلاثية أو حتى الرباعية ممكناً، انتهى الموسم بلقب دوري ثمين لكنه لا يروي عطش لاعب بحجم صلاح الذي كانت الكرة الذهبية تلوح له في الأفق. هذا التناقض الصارخ بين المجد الفردي وخيبة الأمل الجماعية كان بمثابة نقطة تحول.
شروط الملك المصري: ليست مجرد أموال
عندما حان وقت مفاوضات تجديد العقد، لم يكن صلاح مجرد لاعب يطلب زيادة في الراتب. لقد كان أيقونة عالمية، وأسطورة حية للنادي، والأهم، كان يملك كل أوراق القوة.
تشير كل الدلائل إلى أن شروطه لم تكن مالية بحتة، بل كانت رياضية في المقام الأول، لقد رأى كيف يفعل أمثال ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو، وكيف يفرضون رؤيتهم على أنديتهم لضمان استمرار القدرة على المنافسة في أعلى مستوى.
صلاح، الذي وصل إلى ذروة نضجه الكروي، يبدو وأنه قد طالب بضمانات، بدعم حقيقي، بفريق لا يترك مصيره للظروف أو للإصابات الطارئة.
ثورة الانتقالات.. "فينواي" تفتح الخزائن
والنتيجة كانت انفجاراً في سوق الانتقالات لم يشهده "آنفيلد" من قبل، أكثر من 300 مليون يورو أُنفقت على أسماء كانت حتى وقت قريب تبدو أبعد من متناول ليفربول.
التعاقد مع فلوريان فيرتز، أحد ألمع مواهب أوروبا، بصفقة قياسية، والظفر بجيريمي فريمبونغ من باير ليفركوزن، وحسم صفقة المهاجم القوي هوغو إيكيتيكي، وتأمين مستقبل حراسة المرمى بجيورجي مامارداشفيلي، وتدعيم الدفاع والوسط بأسماء واعدة، كلها خطوات لا تعكس سياسة (FSG) التقليدية على الإطلاق.
انتصار صلاح.. مهندس المستقبل الجديد
هذا التحول الدراماتيكي في استراتيجية النادي هو انتصار مباشر لمحمد صلاح، لقد استخدم نفوذه الهائل ليس فقط لتأمين مستقبله الشخصي، بل لإجبار الإدارة على التخلي عن "بخلها" المحسوب وتلبية طموحات الجماهير.
الجمهور الآن لا يرقص فقط احتفالاً بالصفقات الجديدة، بل فرحاً بأن قائدهم وأفضل لاعبيهم قد نجح أخيراً في "تدمير" تلك العادة القديمة التي كلفت الفريق الكثير في الماضي.
لقد أثبت صلاح أن تأثيره يتجاوز حدود الملعب، ليصبح مهندساً لمستقبل النادي، ضامناً أن سنواته الأخيرة في "آنفيلد" ستكون مدججة بالسلاح اللازم للقتال على كل جبهة، وهو بالضبط ما أراده هو، وما حلمت به الجماهير طويلاً.
