logo
اتجاهات

الحزن ليس عاراً

الحزن ليس عاراً
17 فبراير 2016، 2:14 ص

وئام غداس

تحدثت في مقال الأسبوع الماضي عن الحزن وخجل بعض الناس منه، ما يدفعهم لإخفائه وإنكاره ولو بالضغط على أنفسهم وأيضا بالتعدي على وقت مشاعر الحزن الذي تحتاجه لتنقضي بشكل نهائي وناجع، وهو الوقت الذي تستلزمه الجراح لتلتئم، تماما كجراح الجسد، هل سمع أحد بدواء أو مرهم قادر على إغلاق جرح بشكل فوري، لا، مستحيل، الإصابة تحتاج دائما للوقت وللصبر، هكذا أيضا مع المشاكل النفسية.

تؤثر العادات والدين والشخصية على الطريقة التي يعبر بها الناس عن أحزانهم . بعض الناس يجاهر بحزنه وجزعه ، وآخرون ينطوون على أنفسهم وينعزلون، بعض الناس يريدون التعبير عن شعورهم ، وآخرون غيرهم لا يريدون ذلك . الحزن لفقدان عزيز، لانتهاء علاقة دامت أعوام، أو لأي سبب آخر، شيء طبيعي ، بل وضروري . أغلب الناس لا يحتاجون إلى مساعدة طبيب نفساني للتغلب على الحزن ، ويستطيعون التعامل مع الأمر بأنفسهم بطريقة أفضل ، إلا أن شرط ذلك هو أولا وقبل كل شيء امتلاك القدرة على الوقوف أمام الحزن وجها لوجه، مواجهته، والاعتراف به، أمام أنفسنا وأمام غيرنا، وتذكر أن ما من أحد عيّر آخر ذات يوم وقال له: يا حزين! الحزن ليس عارا بل في حالات كثيرة هو عكس ذلك تماما.

الحزن هو ألم نفسي يوصف بالشعور بالبؤس والعجز، غالبا يعتبر الحزن هو عكس السعادة، وطبيعي جدا وصفه بالمشاعر السلبية، لما يصحبه عادة من قلة نشاط وخمول وقلق، إلا أنه في المقابل مرحلة وشعور أساسي من الضروري مرور كل إنسان به لكي يمكنه تمييزه عن غيره من الأحاسيس وبناءاً على هذا فإن الاعتراف به يجب أن يكون بذات الثقة والطمأنينة التي تصاحب اعترافنا بأي شعور آخر، ذلك أن الحزن يعتبر واحدا من المشاعر الستة الأساسية التي أقرها العالم النفساني "بول إيكمان" وهي: السعادة، الحزن، الخوف، الدهشة، الغضب والاشمئزاز.

بعض الأشخاص يربطون بين التعبير عن الحزن والضعف، لذلك تلاحظ بسهولة كيف يتفننون ويجهدون أنفسهم ليبقوا محافظين على صورتهم القوية أمام الآخرين، لكن مجرد التفكير ببساطة أن الأطراف الأخرى ليست من الغباء إلى حدّ تصديق أنك قابلت حدثا حزينا في حياتك بلا اكتراث أو بسعادة قصوى، لن يصدق أحد أنك هادئ وأن شيئا فيك لم يتغير بينما جدار هائل من مبني حياتك تهدم، وعلى عكس ما ستنتظره بتصرفاتك من نظرات إعجاب وإكبار لقوتك سيراك الذين حولك مجرد أحمق تحاول إستغباءهم بسذاجة كبيرة وبكذب مفضوح، وعلى عكس ما توقعت لو أنك حافظت على طبيعيتك كانت ردود أفعالهم ستكون مغايرة تماما، لا تحمل من التشفّي بقدر قد تحمله من شدّ الأزر والمواساة.

جدوى هذا الكلام هو الخروج من نظرية الحرب والمؤامرة الاجتماعية التي تتخيل أنك تعيش في خضمها وذلك الإحساس المرهق أن الناس من حولك يتربصون بك وينتظرون لحظة سقوطك في الحزن، قد يكون الأمر أبعد ما يكون عن هذا التصور المبالغ في سوداويته وسوء ظنه وبالتالي لن يجلب لك فوق حزنك الذي تخفيه سوى مزيدا من الضغط وعدم الراحة، وجدوى هذا الكلام أن المجاهرة بحزنك سيجعل آخرين بشكل مباشر وغير مباشر يتقاسمونه معك ويحملون شيئا منه عنك، وستشعر بشيء من الخفّة والاسترخاء، أما الأهم فهي فكرة أن تكون حقيقيا دائما وفي كل حالاتك، أن لا تلصق العار بأي شعور ينتابك مهما كان، وتذكّر دائما أن الحزن في ميزان الإنسانية أجمل بكثير من تبلّد الإحساس، من أجل ذلك هو شعور نبيل.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC