مع انتهاء موسم الدراما الرمضانية تبدأ التقييمات العشوائية التي تفتقر إلى أية معايير أو ضوابط نقدية، فيختلط غث المسلسلات بسمينها، ويضيع ترتيب أسماء الفائزين في هذا المارثون الدرامي السنوي.
وإذا كان من المحبذ أن تخصص مواقع التواصل الاجتماعي والمنابر الإعلامية المختلفة حيزًا نقديًا يقوّم تلك المسلسلات، فإن ما يظهر من نقد لا يعبر عن ممارسة صحية مطلوبة، بل يشوبها الكثير من الثغرات والعثرات والعيوب.
وأولى هذه العيوب تتمثل في عبارات المجاملة المجانية التي يغدقها "الناقد المزعوم" على هذا المسلسل أو ذاك، لا لقيمة وجمالية المسلسل، وإنما حرصًا على صداقة تربط هذا الناقد ببعض من فريق المسلسل، فيبالغ عندئذ في مدح المسلسل مستخدمًا جملًا وعبارات مفخمة تتناسب مع طبيعة العلاقة الشخصية.
وثمة في المقابل الناقد الذي يبالغ في الذم، انطلاقًا من مواقف شخصية مع أحد المساهمين في هذا المسلسل أو ذاك، ليتحول نقده للعمل إلى فرصة مناسبة لتصفية الحسابات.
وفي الموسم الرمضاني الأخير، كان لافتًا بروز كتابات نقدية "مسيسة"، خاصة أن الكثير من المسلسلات خاصة المصرية والسورية تناولت قضايا سياسية ساخنة، فإن تناغم الخطاب السياسي للمسلسل مع توجهات الناقد، أظهر هذا الأخير سخاء في مدحه، وأن عارض تلك القناعات السياسية راح يكيل للعمل شتائم وانتقادات لا يمت للنقد بصلة.
وبدا لافتًا كذلك ما يمكن تسميته بالنقد الانتقائي، ذلك أن الناقد هنا لم يكلف نفسه عناء متابعة نحو 30 حلقة من المسلسل حتى يخرج برأي سديد، فاقتصر على مشاهدة عدة حلقات، وراح يكون رأيًا منقوصًا لا يعطي العمل حقه، علمًا بأن من أبجديات النقد هو متابعة العمل كاملًا إن لم نقل مشاهدته أكثر من مرة حتى يتسنى تكوين رأي نقدي حصيف ينصف العمل.
وأظهرت الكتابات النقدية التي تناولت الأعمال الدرامية الرمضانية، كذلك، جهلًا فنيًا عبر الخلط بين الشخصيات الدرامية ومثيلتها على أرض الواقع، فما أن تظهر شخصية متطرفة أو فاسدة أو مرتشية حتى يشهر الناقد قلمه، معتبرًا أن العمل يروج لتلك الشخصيات، ويلمع صورتها، وهو ما يتكرر مرارًا لدى التناول النقدي لعمل فني.
وقد يعود جزء من هذا "الهراء النقدي"، إن جاز التعبير، إلى أن النقد الدرامي التلفزيوني هو حديث العهد قياسًا إلى حقول نقدية أخرى كالنقد الأدبي والنقد المسرحي وحتى السينمائي، ناهيك عن عدم وجود أكاديميات تدرّس مثل هذا النقد الدرامي الطارئ الذي شاع في العقدين الأخيرين فحسب مع شيوع الفضائيات، وكثرة الإنتاجات الدرامية.
ومن هنا، كثيرًا ما يتورط الناقد الدرامي في ميدان فني يحتاج لدراسة مستفيضة، إذ يجد هذا الناقد نفسه إزاء معضلات كثيرة، مع غياب ضوابط ومقاييس نظرية معينة توجه قلمه، وهو يضطر، والحال كذلك، إلى استعارة أدوات ومفردات نقدية راجت في سياق نظريات نقدية لا تخص الدراما التلفزيونية بشكل خاص، وإنما تتعلق بالأدب والمسرح والسينما، غير أن غالبية النقاد لا يأبهون كثيرا حتى بتلك النظريات، بل يقتحمون فضاءات الدراما بأدوات نقدية فقيرة لا تصلح لإعطاء "كل ذي حق حقه" في مجال الإنتاج الدرامي.
ووفقًا لما سبق، فإن التصرف الأمثل للجمهور هو أن يدير ظهره لتلك الكتابات النقدية، وأن يكتشف جماليات المسلسل بنفسه، ووفقًا لقناعاته ورؤيته الشخصية، مهما بدت متواضعة، فذلك أفضل من أن يصغي إلى الناقد الذي يلجأ إلى تصفية حسابات أو يجامل أو يبالغ لغايات ومقاصد شتى، ليس بينها ضرورات النقد البناء.