ساعر: الحرب في غزة قد تنتهي غداً إذا تم إطلاق سراح جميع المحتجزين وتسليم حماس لسلاحها
مصطفى أبو لبدة
أنهى الأردن عام دخول المئوية الثانية للدولة بمشهدٍ إصلاحي سائل، كان يمكن أن يكون أفضل؛ أفضل بمعنى أقل ارتباكاً وأكثر اتساقاً، أدْعى للرّوِيّة وأرحبُ في المخيلة السياسية.
صحياً ومستحقاً، جاء موضوع إصلاح وتجديد المنظومة السياسية، وأيضا الورش الفقهية والدستورية الصاخبة التي ما زالت تفيض بالجدل.
جدل من النوع الذي يبدأ لدى البعض من تهمة تفكيك هوية الدولة، ولا ينتهي عند مساءلة مُعدّي وثيقة الإصلاح..
لماذا يريدون الآن للحكومة المنتخبة أن يستغرق الإعداد لها عشرين سنة جرى تخفيضها إلى عشر، بينما عاشها ومارسها الأردن في خمسينيات القرن الماضي، وإنْ بثمن مرتفعٍ يمكن ترشيده.
ميزة النخب السياسية والإعلامية في تصنيعها للرأي العام بالأردن، أنها تأهلت على امتداد المئوية الأولى للدولة، بالولع الفطري بنظرية المؤامرة التي لم تستثنِ موضوع الإصلاح.
لكن آفة هذه النُخب، أن مدة حديثها في أي قضية لا تتجاوز 24 ساعة وأقصاها يومان.
ولذلك، كانت لرئيس وزراء سابق كلمة مأثورة ينصح بها الناطق الرسمي عندما تُثار قضية أو شبهة "دعهم يحكوا.. غداً يوم آخر".
لذلك، يتسم احتقان الأجواء العامة في عمّان بالجدل، حتى وإن صاحبته اعتصامات، بأنه في العادة لا يُغيّر كثيراً بمآلات الأمور الجوهرية عندما تتسلسل في بيروقراطية التشريع والتنفيذ.. فالدولة العميقة عتيدة.
هذه المرّة،خرج موضوع إصلاح المنظومة السياسية عن السياق المعتاد، انزاح قليلاً عن السطر فبدت الأمور وكأنّ الحكومة - حتى لا يقال الدولة- غائبة.
حصل ذلك في الطريقة التي جرى فيها تعزيز ورقة الإصلاح باستحداث مجلس للأمن الوطني، على غرار ما هو معهود في عديد الدول.
وتصادف أن هذه الورشة القانونية تزامنت مع تسريب إعلامي لاتفاق نوايا بين الأردن وإسرائيل على دراسة مشروع للتعاون في مجالات الماء والطاقة.
وفي حمأة الجدل بموضوعٍ تتشابك فيه الاعتبارات السياسية مع مقتضيات التنمية، وتحت ضغط المزاج العام المعطوب بجائحة الكورونا ومتحوراتها، دخل السفير الأمريكي على الخط العلني ببيانٍ ظهر وكأنه يعوّض فيه تقصير الحكومة بالتوضيح، فكانت النتيجة مناسبةً إضافية تبدو فيها الدولة التي تحتفل بدخول مئويتها الثانية، وكأنها بلا حكومة.
زاد في لزوجة المشهد العام، عودة عدد من رؤساء الحكومات السابقين الى الصورة المتحركة، بتقييمات خشنة للوضع العام: بدءاً من جدية النوايا وازدحام طابور المتناوبين على لجان الحكماء، مروراً بقضايا الأحزاب والعشيرة، وصولاً لهوية الدولة والمواطنة.
بعض هذه المداخلات كان استثنائياً في لغة التحذير، وبالتالي في توسيع مساحة الإحساس باللايقين.
وجه المفارقة السياسية الأثقل في هذا المشهد الذي يستهل به الأردن مئويته الثانية، تمثل في الفجوة التي تفصل بين كتلتين من القناعات والهواجس:
الأولى: نشوة انتصار الدولة في معركة الوطن البديل الذي كان شائعاً أن الرئيسين السابقين في واشنطن وتل أبيب، دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو، كانا يعملان له تحت مظلة "صفقة القرن".
الثانية: تتلمس نقص العُدّة اللازمة للدخول في إصلاح سياسي جدي، وفي استقلال اقتصادي حقيقي يشفي الدولة من الإدمان على المساعدات الخارجية، ويضمن لها مناعة التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة القادرة على معاندة الضغوط الخارجية ومواجهة الأجندات الشائكة المنظورة في العقد الأول من المئوية الثانية للدولة.
فدول الجوار بمجملها تعيش تحت ضغط مرحلة انتقالية ملغّمة بفجوات الانسحاب العسكري الأمريكي من الشرق الأوسط، وببدائل حل الدولتين في الملف الفلسطيني، بما في ذلك مشروع الدولة التي مقرها غزة، وهو الذي يجري الآن تركيبه بما يكفي من الشواهد والكلمات المفتاحية.
عندما تأسست الدولة الأردنية قبل مائة سنة، اتخذت اسم "إمارة الشرق العربي"، ثم استقلّت تحت اسم "إمارة شرق الأردن"، وأصبحت تُعرف بعد ذلك بـ"المملكة الأردنية الهاشمية".
وعلى مدى العقود العشرة، ظلت الدولة على موعد مع تحديات جوهرية كان الأمير الحسن بن طلال يصفها بأنها تتجدد دوريا كل عشر سنوات، بعد أن تستنزف الطاقة وتحكم البوصلة وتخلط الأولويات.
اليوم ومع بداية المئوية الثانية للدولة الأردنية، كان يمكن لبرنامج الإصلاح أن يأتي أرحب وأوثق، ودائرة الرؤية فيه أوسع.
مثال على هذا الاقتضاء جاء قبل أيام، في مؤشر السعادة العالمي لعام 2021، حيث أدرج الأردن في المرتبة 124 من بين 146 دولة، مقدمتها لهذه السنة كانت لفنلندا، وآخرها في القائمة جاءت أفغانستان.
أهمية مثل هذا المؤشر الأممي الذي يعمل منذ عام 2002، أنه يحلل بيانات استطلاعية لمؤسسة غالوب لقياس الرأي العام.
وفي ذلك يقيس أداء الدول في ستة قطاعات بينها حصة المواطن من الناتج المحلي الإجمالي، ومتوسط العمر الصحي المتوقع، ومنسوب الحرية في اتخاذ القرارات بالحياة الخاصة، ومعدل الرفاهية العامة، ومدركات الفساد الداخلي والخارجي.
ورغم ما قد يعتري مثل هذا النوع من استطلاعات الرأي من شكوك في الموثوقية، إلا أن مجرد إدراج الأردن في مثل هذه المرتبة المتراجعة، يقرأه ذوو الاختصاص بأنه دعوة ملحّة لأن تبدأ المئوية الثانية للدولة بإصلاح منهجي يعطي للساعة السياسية أولوية التوقيت المحلي.