تاج الدين عبدالحق
أغلب الظن، أنه لولا جائحة كورونا، وما خلفته من آثار اقتصادية مدمرة، لكان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب يخوض معركة انتخابية سهلة، مع منافسه الديمقراطي جو بايدن. فترامب -في الواقع- لا يخوض منافسة مع خصمه الديمقراطي، بقدر ما يخوض معارك من كل نوع، مع وباء كورونا الذي أصابه شخصيا، بعد أن أطاح بإنجازات اقتصادية وسياسية تحققت في السنوات الثلاث من ولايته الأولى، والتي كان يمكن للرئيس الأمريكي أن يباهي بها، وأن يقدمها كدليل على جدارته بولاية جديدة.
وكما عصفت كورونا بالكثير من الخطط والبرامج، وسببت تغييرا في العديد من أولويات الإدارة الأمريكية، فإنها وضعت ترامب أمام اختبار عسير، يجعل مسعاه للاحتفاظ بالرئاسة لمرة جديدة، مهمة صعبة، وغير مؤكدة، كما تبين وتؤكد استطلاعات الرأي، حتى قبل أسبوعين من موعد الانتخابات في الثالث من نوفمبر.
فالواضح أن الحظ، هو الذي يُسير دفة الانتخابات الرئاسية الأمريكية هذه المرة. فمقابل سوء الطالع الذي يعيشه ترامب بسبب نتائج وتداعيات كورونا، فإن هذا الوباء كان بمثابة طوق النجاة الانتخابي لجو بايدن، الذي ظلت استطلاعات الرأي والتحليلات السياسية تؤكد في مرحلة ما قبل كورونا، أنه يخوض معركة غير متكافئة مع رئيس جريء ومتهور، في حين كانت الاستطلاعات والتحليلات تصفه بأنه امتداد باهت للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، ولا يملك تلك الكاريزما التي تؤهله لمواجهة استحقاقات المرحلة التي خلفتها إدارة الرئيس الحالي.
في ربع الساعة الأخيرة من السباق الرئاسي بين ترامب وبايدن، يبدو أن المنافسة بين الرجلين تكتسب زخما جديدا كل يوم، حيث استطلاعات الرأي المتأرجحة، تفتح الأبواب في كل لحظة، على مستجدات جديدة حاملة مختلف الاحتمالات، والكثير من المفاجآت، التي ليست في الحسبان، أو من خارج التوقعات.
ولأن الحظ، لا البرامج، هو الذي يحدد مصير المنافسة الرئاسية الجديدة، فإن التوقعات بشأن النتائج، تظل متحفظة بالإجمال، والترجيح في معظم الأحيان تعبير عن أمانٍ وتطلعات، لا عن معطيات.
فالذين يأملون بتجديد ولاية ترامب هم من يعولون على جرأة ترامب للملمة الآثار المدمرة التي خلفتها جائحة الكورونا، وهو تعويل لا يستند، في جوهره، إلى أسس اقتصادية أو برامج عمل واضحة، خاصة بعد ارتفاع معدل البطالة وتفاقم حجم المديونية، وازدياد التضخم، وتنوع نزاعات الولايات المتحدة، مع الأسواق الخارجية ومع الشركاء التجاريين.
أما الذين يعولون على نجاح بايدن فهم المتضررون، الذين يراهنون على تغير النهج للخروج من الأزمات والظروف الاقتصادية الخانقة التي تضرب السوق المحلية وتربك العلاقات الخارجية. لكن هؤلاء حتى برهانهم على بايدن، ليس لديهم ما يؤكد أن لديه حلولا لمشكلات تفاقمت أكثر مما كان متوقعا، وعلاجا لتحديات تفوق طاقة رئيس جديد يقف على أعتاب العقد الثامن من العمر.
نتائج الانتخابات، أيا كان الفائز فيها، سيكون لها ما بعدها. فهناك العديد من الملفات الساخنة التي تحتاج إلى حسم، وإلى معالجة. فما تركته جائحة كورونا من آثار مدمرة، ستجعل الإدارة الأمريكية المقبلة أمام تحديات حقيقية داخلية وخارجية حادة، أهمها وأبرزها إخراج البلاد من نفق الانقسام الذي يتهدد الشارع الأمريكي حاليا، والذي يقول الكثير من المحللين إنه وصل إلى درجة غير مسبوقة وغير معهودة من التدهور، حتى أن البعض تخوف من حرب أهلية، ومن تفاقم حالة العنف وتزايد المظاهر المسلحة.
وفيما ينتظر الأمريكيون نتائج الانتخابات للبدء بلملمة المشكلات التي خلفها وباء كورونا، يحبس العالم أنفاسه لمعرفة من سيكون ساكن البيت الأبيض خلال السنوات الأربع القادمة. فالتجديد لترامب يعني للبعض صب المزيد من الزيت على النار المشتعلة في العديد من الملفات، فيما يرى آخرون في بايدن الإطفائي الذي يمكن أن يتولى إخماد الحرائق التي خلفتها إدارة ترامب طوال السنوات الأربع الماضية.