دعا مقال رأي في صحيفة "الغارديان" البريطانية، أحزاب "الوسط" في أوروبا، إلى اتباع استراتيجية أكثر حزما لمحاربة نفوذ اليمين المتطرف المتزايد في القارة، بشكل فعال.
ويستكشف المقال، النفوذ المتزايد للقوى القومية اليمينية المتطرفة في البرلمان الأوروبي، وينتقد الموقف الدفاعي الحالي للسياسيين الأوروبيين.
وكانت انتخابات البرلمان الأوروبي لعام 2023، شهدت زيادة ملحوظة في دعم الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تعارض مبدأ التكامل الأوروبي، وتدعو إلى إعادة صلاحيات الدول الأعضاء على حساب المؤسسات الأوروبية.
وتُروّج أحزاب اليمين الشعبوي لخطاب معادٍ للأجانب والمهاجرين، ما قد يُؤدّي إلى تصاعد في حدة التوترات الاجتماعية والعنف في أوروبا.
وأثار هذا التطور مخاوف بشأن ما إذا كان الوسط السياسي قادراً على كبح تيار الشعبوية اليمينية.
وفي حين أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن "الوسط لا يزال صامدا"، إلا أن الواقع أكثر تعقيدا.
وفي حين لا تزال كتل يمين الوسط، ويسار الوسط، والليبرالية تسيطر على الأغلبية في البرلمان الأوروبي، أصبحت قوى اليمين المتطرف أكثر جرأة وتنسيقا فيما بينها على نحو متزايد.
وسعت شخصيات مثل رئيسة وزراء إيطاليا جيورجيا ميلوني، ورئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان، إلى إملاء الأجندة فيما يتعلق بالقضايا الأساسية، ودفع الخطاب السياسي في اتجاه أكثر استبدادية وقومية، مستغلة تبني الساسة الأوروبيين الحاليين موقفا دفاعيا.
من جهته، اتبع تيار الوسط نهج الاسترضاء ممثلا بتقديم تنازلات والتكيف مع جوانب الأجندة الشعبوية بشأن قضايا مثل صافي الانبعاثات الصفرية والهجرة.
ولم يؤد هذا الموقف إلّا إلى تعزيز قوة اليمين المتطرف الذي بات يدرك جيدا ضعف الوسط، ويرى فيه فرصة مواتية لزيادة نفوذه، بحسب الصحيفة التي تشير أيضا إلى أن المخاطر كبيرة، واستقرار المشروع الأوروبي أصبح على المحك.
وفي ظل تحديات مثل تداعيات رئاسة ترامب في الولايات المتحدة، والصراع المستمر في أوكرانيا، تحتاج أوروبا إلى صمود تيار أحزاب الوسط.
وفي أعقاب الانتخابات الأوروبية الأخيرة، بدأ اليمين المتطرف بسحب البرلمان الأوروبي نحو اليمين.
وأعربت جيورجيا ميلوني التي تهدف إلى تصوير نفسها كممثلة شرعية لليمين المتطرف، عن استيائها الشديد من استبعاد حزبها، المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين، من المناصب العليا داخل البرلمان الأوروبي.
في حين انضم حزب التجمع الوطني بزعامة مارين لوبان إلى تحالف جديد بقيادة رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، لتشكيل مجموعة الوطنيين من أجل أوروبا، التي أصبحت ثالث أكبر قوة في البرلمان وأكبر كتلة يمينية متطرفة على الإطلاق.
بالإضافة إلى ذلك، قام حزب البديل من أجل ألمانيا بتشكيل مجموعته الخاصة، "أوروبا الدول ذات السيادة"، على الرغم من الجدل الدائر حول تعاطف مرشحه الرئيس مع النازية.
على هذه الخلفية، تسعى فون دير لاين، النائبة الديمقراطية الألمانية، للحصول على تفويض من أعضاء البرلمان الأوروبي لولاية ثانية. وتعتمد في إعادة انتخابها على دعم حزب الشعب الأوروبي الذي ينتمي إلى يمين الوسط، والاشتراكيين والديمقراطيين ومجموعة التجديد الليبرالية، ولكنها قد تحتاج أيضا إلى أصوات حزب الخضر.
وهذا يتطلب منها الالتزام بدفاع أقوى عن الصفقة الخضراء لأوروبا.
ويؤكد المقال أن أوروبا، في ظل حالة الاستقطاب السياسي وعدم اليقين في الولايات المتحدة، والتحديات الاستراتيجية التي تفرضها روسيا، تحتاج إلى صمود وثبات من جانب تيار الوسط في وجه صعود الشعبوية اليمينية، كما يدعو إلى رؤية أكثر ديناميكية لأوروبا.
ويخلص المقال إلى أن "الوسط الأوروبي يجب أن يعيد اختراع نفسه لمحاربة اليمين المتطرف بشكل فعال، ويتعين عليه التحرك إلى ما هو أبعد من مجرد الثبات والصمود. فثمة حاجة إلى تبني سياسات جريئة وتقدمية تعالج انعدام الأمن الاقتصادي والاجتماعي، وبالتالي تقويض جاذبية الخطاب اليميني المتطرف".