وضعت المباحثات التي جرت في فلوريدا بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الملفات الإقليمية الثلاثة الأكثر حساسية أمام مقاربة أمريكية أكثر ضبطاً.
النقاش لم يتجه نحو قرارات فاصلة، لكنه أعاد ترتيب طريقة التعامل مع غزة، والملف الإيراني، وجنوب لبنان، وفق أولويات زمنية وحدود تحركات واضحة.
وقال مصدر دبلوماسي أمريكي مطلع على مضمون المشاورات إن واشنطن ركزت على منع تداخل المسارات، وإبقاء كل ملف ضمن إيقاع يمكن التحكم به خلال المرحلة القريبة.
بحسب مصادر "إرم نيوز" فإن ترامب أكد خلال اللقاء على ضرورة المضي في تنفيذ ما اتُفق عليه في اتفاق وقف إطلاق النار حتى الآن، لكنه وضع شرطاً واقعياً واضحاً يتمثل في أن المرحلة الثانية لاتفاق غزة لن تتحرك بالوتيرة نفسها ما لم تبرز إجراءات ملموسة لنزع سلاح "حماس".
الطرح الأمريكي لم يتضمن جدولاً زمنياً، لكنه شدد على أن استمرار الوضع الحالي من دون أفق عملي سيخلق ضغطاً متزايداً على المسار السياسي برمته.
في المقابل، أبدى الجانب الإسرائيلي تحفظاً على توقيت الانتقال، وربط أي خطوة إضافية بملفات لم تُغلق بعد، وفي مقدمتها ملف الرهائن وترتيبات السيطرة الميدانية.
وركز ترامب على أن استمرار الجمود في الانتقال إلى المرحلة التالية، سيقوّض كل المكتسبات المتحققة حتى الآن، ويُعقّد العلاقة بين واشنطن والوسطاء الإقليميين.
نقطة التوافق تمثلت في الإقرار بأن المرحلة المقبلة تختلف في طبيعتها عن السابقة، وأن إدارتها ستحتاج إلى آليات أكثر تعقيداً، تجمع بين البعد الأمني والبعد السياسي، من دون حسم شكل هذه الآليات في الوقت الراهن.
بحسب المصدر الأمريكي، فقد دار النقاش حول كيفية الحفاظ على مستوى ضغط مرتفع على طهران، من دون الانتقال إلى قرار عسكري مباشر أو خاطف.
النقاش كان أكثر تركيزاً على التحركات التقنية في برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني وما تراه واشنطن وتل أبيب كـ "توسّع" في قدرات طهران الصاروخية.
ترامب كرّر تحذيره من أنه إذا بدا أن إيران تستعيد أو تبني مواقع جديدة لبرامجها النووية أو الصاروخية، فإن الولايات المتحدة مستعدة لدعم تحرك عسكري سريع.
الجانب الأمريكي، بحسب ما تحدثت به مصادر "إرم نيوز" شدد على أن خيار التصعيد قائم من حيث المبدأ، وأنه جزء من أدوات الردع المتاحة، لكنه ربط أي خطوة عملية بتقديرات أوسع تتعلق بالبيئة الإقليمية والدولية.
وبحسب المصادر، فإن هذا الطرح قوبل بموقف إسرائيلي يدفع باتجاه تقليص هامش الانتظار، انطلاقاً من اعتبارات تتعلق بتطور القدرات الإيرانية.
وتشير المصادر إلى أن ما جرى تثبيته هو الإبقاء على التنسيق السياسي والاستخباراتي في أعلى مستوياته، مع الاتفاق على مراجعة التقديرات بشكل دوري، وفق تطورات ملموسة على الأرض.
أوضح المصدر الدبلوماسي الأمريكي أن واشنطن نقلت موقفاً واضحاً مفاده بأن أي توسع غير مضبوط في الساحة اللبنانية سيعيد خلط الحسابات الإقليمية، ويؤثر مباشرة على إدارة الملفات الأخرى.
وركز الطرح الأمريكي على ضرورة إبقاء التحركات ضمن سقوف يمكن التحكم بها، مع استمرار التنسيق العسكري والسياسي لتفادي سوء التقدير. الجانب الإسرائيلي أصرّ على الاحتفاظ بهامش ردّ يراعي اعتبارات الردع، مع قبول مبدئي بفكرة ضبط الإيقاع وعدم دفع الأمور إلى مواجهة واسعة.
كما أن واشنطن نقلت لإسرائيل موقفاً مفاده بأن أي محاولة لتوسيع العمليات الحدودية مع "حزب الله" من دون موافقة أمريكية مسبقة ستقود إلى إعادة تقييم الدعم السياسي واللوجستي المقدم لإسرائيل.
هذا التوجه يأتي في سياق مخاوف لدى الإدارة الأمريكية من انزلاق سريع قد يُطلق مواجهة إقليمية واسعة لا أحد مستعد لها الآن، سواء من الجانب الأمريكي أو من شركاء إقليميين.
وفق المصدر الأمريكي، ستتركز المرحلة القريبة على اختبار هذه التفاهمات عملياً. في غزة، سيُقاس التقدم بمدى القدرة على الانتقال إلى ترتيبات أكثر استقراراً.
وفي الملف الإيراني، سيبقى الضغط قائماً مع مراقبة دقيقة لأي تطور نوعي. أما في لبنان، سيستمر العمل على ضبط التوتر ومنع انزلاقه إلى مسار أوسع.
من جانبه، اعتبر توماس غراي، الباحث المتخصص في تحليل ديناميات الصراع في الشرق الأوسط، أن المرحلة المقبلة ستتّسم بإدارة دقيقة للإيقاع السياسي، أكثر مما ستتّسم بقرارات حاسمة.
ورأى غراي، في حديثه لـ"إرم نيوز"، ستتحرك واشنطن في ملف غزة بخطوات محسوبة تهدف إلى منع التآكل السياسي للترتيبات القائمة، مع السعي إلى تثبيت وقائع ميدانية قابلة للاستمرار من دون فتح مسار تفاوضي واسع.
وفي ما يتصل بإيران، يرى غراي أن الأسابيع المقبلة ستشهد تركيزاً على الضغط المركّب، حيث سيجري توظيف الأدوات السياسية والاستخباراتية لرفع كلفة أي تحرّك إيراني، مع الإبقاء على هامش ردع واضح.
هذا المسار، وفق تقديره، يهدف إلى إبقاء الملف في حالة توتّر مضبوط يسمح بإعادة التقييم المستمر، من دون الانتقال إلى نقطة اللاعودة.
أما لبنان، فيتوقع غراي أن يبقى ضمن نطاق المراقبة الحثيثة، مع تدخلات غير مباشرة لضبط أي اختلال في التوازن القائم.
ويشير إلى أن التعامل مع هذه الساحة سيظل مرتبطاً بالحفاظ على الاستقرار النسبي، لأن أي تطور غير محسوب فيها سيؤثر فوراً على إدارة الملفين الآخرين.
ويخلص غراي إلى أن ما ينتظر هذه الملفات خلال الأيام المقبلة هو سلسلة من الاستحقاقات الصغيرة والمتتابعة، حيث ستُقاس النتائج بمدى القدرة على منع الانفلات، وضمان بقاء المسارات مفتوحة أمام التعديل، من دون فرض وقائع يصعب التراجع عنها لاحقاً.