حدد خبراء في الشؤون الدولية والاستراتيجية المسارات التي ستتبعها وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" لترجمة رؤية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، القائمة على مبدأي "تحقيق السلام من خلال القوة" و"أمريكا أولاً".
وأكد الخبراء، في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز"، أن هذه الرؤية ستنعكس على استراتيجية البنتاغون عبر إعادة توزيع القوات الأمريكية عالميا، بما يشمل الانسحاب من بعض مناطق النزاع غير الاستراتيجية، والتركيز على تعزيز التواجد العسكري في المحيطين الهندي والهادئ لمواجهة الصين.
كما ستشمل زيادة مساهمات حلف شمال الأطلسي "الناتو" في الإنفاق الدفاعي، وإعادة تقييم الشراكات الاستراتيجية لضمان توافقها مع الأولويات الأمريكية.
وفي هذا السياق، أوضح الباحث السياسي، الدكتور باسل الحاج جاسم، أن شعار "تحقيق السلام من خلال القوة" دفع البنتاغون إلى إعادة صياغة أولوياته الدفاعية، عبر انسحاب الولايات المتحدة من مناطق مثل أفغانستان، والتركيز على تعزيز الوجود العسكري في آسيا والمحيط الهادئ لمواجهة النفوذ الصيني المتنامي.
وأضاف الحاج أن نهج "أمريكا أولاً" انعكس على تقليل التدخلات العسكرية التي لا تخدم المصالح الأمريكية المباشرة، مع الضغط على الحلفاء، خاصة دول "الناتو"، لزيادة إنفاقهم الدفاعي.
كما تبنت الإدارة نهجا يعتمد على تعزيز التحالفات الإقليمية، وتقليل الالتزامات العسكرية المباشرة في الصراعات الخارجية، بما في ذلك الانسحاب الجزئي أو الكلي من سوريا والعراق، لصالح "الحروب الاقتصادية" عبر العقوبات والضغوط الدبلوماسية.
وأشار إلى أن إدارة ترامب وضعت "منافسة القوى العظمى" كأولوية أمنية وطنية؛ ما دفع البنتاغون إلى إعادة توجيه استراتيجيته العسكرية لمواجهة الصين وروسيا.
وتجلّى ذلك في تعزيز التحالفات العسكرية، مثل الرباعية الأمنية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وزيادة الاستعدادات العسكرية في أوروبا الشرقية. كما استثمرت واشنطن بشكل مكثف في التقنيات العسكرية المتقدمة، مثل الفضاء العسكري، الذكاء الاصطناعي، والحرب السيبرانية، لضمان التفوق الأمريكي.
البنتاغون ودوره في ملف الهجرة
وبدوره، يرى الخبير في الشأن الأمريكي، أحمد ياسين، أن ملف الهجرة غير الشرعية سيكون أحد أبرز الجوانب التي سيتولى البنتاغون معالجتها، نظرا لكونه يشكل تهديدا مباشرا للأمن الداخلي من الناحية الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، وفق رؤية ترامب.
وأشار ياسين إلى أن دور البنتاغون في هذا الملف لن يقتصر على الدعم اللوجستي، بل سيمتد إلى الإشراف على عمليات حماية الحدود، وإنشاء مراكز عسكرية جديدة للتعامل مع تدفق المهاجرين غير الشرعيين، خاصة عبر الحدود الجنوبية مع المكسيك.
ولفت إلى أن إدارة ترامب ستعتمد على الجيش الأمريكي في مواجهة عصابات تهريب البشر، التي باتت تتمتع بقدرات متطورة ونفوذ متزايد على جانبي الحدود. ويرجح أن يتم تكليف وحدات عسكرية خاصة بتعقب هذه العصابات وملاحقتها، في إطار سياسة أمنية أكثر صرامة تجاه الهجرة غير الشرعية.
الصراع مع الصين: أولوية استراتيجية
وشدد ياسين على أن رؤية ترامب لـ"تحقيق السلام من خلال القوة" ستشكل محورا رئيسا في مواجهة التحديات التي تفرضها الصين، ليس فقط على الصعيد الاقتصادي، بل أيضا عبر الصراع المتصاعد في بحر الصين الجنوبي، حيث تسعى واشنطن لتعزيز وجودها العسكري في مواجهة بكين.
وأوضح أن إدارة ترامب ترى أن الولايات المتحدة استنزفت مواردها العسكرية في الشرق الأوسط وأوروبا، دون تحقيق مكاسب استراتيجية حاسمة، بينما كان يتوجب عليها تركيز جهودها في شرق وجنوب آسيا، لمواجهة النفوذ الصيني المتزايد.
رسالة وزير الدفاع: التزام برؤية ترامب
في هذا الإطار، وجه وزير الدفاع الأمريكي الجديد، بيت هيغسيث، رسالة إلى القوات المسلحة، أكد فيها التزامه الكامل بتنفيذ رؤية ترامب الدفاعية، مشددا على أن "قيادة محاربي وزارة الدفاع تحت قيادة قائدنا الأعلى، دونالد ترامب، هي امتياز العمر. سنضع أمريكا أولًا، ولن نتراجع أبدا"، وفق بيان نشره موقع وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون".
في ظل هذه التوجهات، يبدو أن البنتاغون سيلعب دورا محوريا في تنفيذ رؤية ترامب، سواء عبر إعادة تموضع القوات، أو مواجهة المنافسين الاستراتيجيين كالصين وروسيا، أو تعزيز السيطرة على الحدود الأمريكية لمكافحة الهجرة غير الشرعية.
ويبقى السؤال: كيف ستواجه هذه الاستراتيجية التحديات الداخلية والخارجية خلال المرحلة المقبلة؟