مسيّرة تستهدف سيارة على طريق بلدة مركبا جنوبي لبنان
تبرز منغوليا، التي ظلت لفترة طويلة في ظل جارتيها القويتين روسيا والصين، الآن كلاعب غير متوقع ولكنه مهم في الجغرافيا السياسية المتغيرة في أوراسيا.
وفي حين تعمل موسكو وبكين على توسيع نفوذهما من خلال خطوط أنابيب الطاقة، وخطوط السكك الحديدية، والقمم الثلاثية، تعمل الهند بشكل مطرد على حفر مكانها الخاص في مستقبل أولان باتور.
وبفضل جذورها التاريخية والثقافية وقيمها الديمقراطية المشتركة، تجاوزت الشراكة الهندية المنغولية حدود الرمزية.
فمن التدريبات الدفاعية الإستراتيجية والتدريب المشترك على حفظ السلام، إلى مشاريع الطاقة والمفاوضات التجارية، تتطور هذه العلاقة إلى ما قد يُغير موازين القوى في أوراسيا.
هذا الأسبوع، اجتمعت الصين وروسيا ومنغوليا في بكين لحضور اجتماع ثلاثي أكد مدى رغبة الدول الثلاث في تعميق تعاونها.
وقد أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى نبرة مألوفة، عندما أكد القواسم المشتركة والحاجة إلى روابط سياسية واقتصادية وإنسانية أوثق.
وقال بوتين: "تشترك بلداننا الثلاث في الكثير من القواسم المشتركة. نتشاطر اهتمامًا مشتركًا بتطوير العلاقات السياسية والاقتصادية والإنسانية".
وأضاف أن روسيا ملتزمة ببناء علاقات "متبادلة المنفعة ومتساوية وشاملة" مع كل من منغوليا والصين؛ أما بالنسبة لبكين، فإن التركيز ينصب على الممر الاقتصادي بين الصين ومنغوليا وروسيا.
وأكد الرئيس شي جين بينغ على الزخم الذي أحدثه التعاون الثلاثي، ليس فقط في التجارة والبنية الأساسية ولكن أيضًا في مجالات مثل العلوم والتكنولوجيا والثقافة.
وقال شي إن "هذه المشاريع أعطت زخمًا جديدًا للتعاون الثلاثي"، ووصف الممر بأنه محوري لرؤية الصين للشراكة.
وأكد شي استعداد بكين لتعزيز الثقة السياسية مع كل من موسكو وأولان باتور، واعتبر أن الاجتماع ركّز على مراجعة ما تم إنجازه حتى الآن وتحديد مسار التعاون المستقبلي.
وقد عززت القمة رسالة مفادها أن الصين وروسيا عازمتان على إبقاء منغوليا قريبة، وربطها بالخطط الإقليمية التي تجمع بين تدفقات الطاقة والبنية الأساسية والتوافق الإستراتيجي.
لطالما عُرفت منغوليا بموقعها الجغرافي؛ فهي تقع في شرق ووسط آسيا، محصورة بين روسيا شمالاً والصين جنوباً وشرقاً وغرباً؛ وليس لديها خط ساحلي؛ ما يجعلها ثاني أكبر دولة غير ساحلية في العالم، ومع ذلك فهي أيضًا أقل دولة كثافة سكانية في العالم.
وتهيمن السهوب والصحاري الشاسعة على المشهد الطبيعي، ولا يقطعها سوى بلدات صغيرة ومجتمعات بدوية.
منح هذا الموقع الجغرافي منغوليا دورًا فريدًا في السياسة العالمية. فهي دولة عازلة وجسر في آنٍ واحد، تقع في قلب أوراسيا حيث تتقاطع القوى العظمى.
وكانت منغوليا لقرون مسرحًا لصراع الإمبراطوريات، ونقطة وصل بين اقتصاديات متباعدة عبر طرق تجارية، كطريق الحرير. واليوم، أعاد هذا الموقع نفسه منغوليا إلى الواجهة في صراع جيوسياسي.
رغم هذه التصريحات الرنانة، لم تكن علاقة منغوليا بالصين يومًا بسيطة. فالهوية الثقافية والمظالم التاريخية غالبًا ما تكون خفية.
ومن بين القضايا الأكثر حساسية تلك التي تتعلق بمنطقة منغوليا الداخلية، وهي منطقة تتمتع بالحكم الذاتي داخل الصين وتشترك في روابط عرقية وثقافية عميقة مع منغوليا نفسها.
كان آخر تصعيد ملحوظ في عام 2015، عندما أفادت وسائل إعلام رسمية صينية بوقوع هجوم على نقطة تفتيش في منغوليا الداخلية، واصفةً إياه بـ"نزاع حدودي إقليمي".
وأشارت التقارير إلى أن الاشتباكات شملت منغوليين عرقيين وسكان مقاطعة قانسو؛ ما يعكس التوترات طويلة الأمد بين الأقلية المنغولية والأغلبية الصينية من الهان.
لا تقتصر هذه النزاعات على الحدود فحسب، بل تطال أيضًا قضايا اللغة، والبقاء الثقافي، والنضال ضد الاندماج. ورغم أن حادثة عام 2015 لم تتفاقم إلى صراع أوسع، فإنها سلّطت الضوء على هشاشة الحدود الشمالية للصين، والحذر الذي تنظر به منغوليا إلى التطورات عبر الحدود.
تُعدّ الطاقة والبنية التحتية من أقوى الأدوات المستخدمة لجذب منغوليا إلى فلك روسيا والصين.؛ وأبرز مثال على ذلك هو خط أنابيب "قوة سيبيريا 2".
في سبتمبر/أيلول 2025، أبرمت روسيا والصين صفقةً كبرى قد تُغيّر خريطة الطاقة العالمية. وقّع البلدان مذكرةً ملزمة قانونيًّا لبناء خط أنابيب "قوة سيبيريا 2"، وهو مشروع طموح سينقل كمياتٍ هائلة من الغاز الطبيعي الروسي إلى الصين.
يمر جزء أساسي من الخطة عبر منغوليا، عبر خط النقل "سويوز فوستوك". ومن المتوقع أن ينقل هذا الخط، عند تشغيله، ما يصل إلى 50 مليار متر مكعب من الغاز سنويًّا على مدى العقود الثلاثة المقبلة.
بالنسبة لموسكو، يُعدّ هذا سبيلاً لضمان وجود مشترٍ مستقر للطاقة في بكين. أما بالنسبة للصين، فيضمن ذلك إمداداتٍ موثوقة في وقتٍ تشتد فيه المنافسة العالمية على الطاقة.
ومع ذلك، ورغم الإعلان، فلا تزال هناك تساؤلات عديدة. أفادت رويترز بأن الاتفاق أغفل تفاصيل جوهرية، مثل: صيغة التسعير النهائية ومن سيتحمل تكاليف البناء الرئيسية.
بالنسبة لمنغوليا، يُمثّل المشروع فرصةً ومخاطرةً في آنٍ واحد؛ فبينما قد يُحقق عائداتٍ من النقل ويعزز نفوذًا جديدًا، إلا أن الاتفاقية تركت تساؤلاتٍ جوهريةً عالقةً حول التسعير ومسؤوليات البناء.
ليست الطاقة هي السبيل الوحيد لانخراط منغوليا أكثر في فلك الصين وروسيا، فالبنية التحتية تلعب دورًا متناميًا أيضًا.
وفي شهر أبريل/نيسان الماضي، وافق البرلمان المنغولي على اتفاقية مع الصين لبناء خط سكة حديد جديد عبر الحدود بشكل مشترك؛ ما يعزز أحد أهم الروابط بين الجارتين.
بدأ بناء خط غانقمود-غاشون سخيت في منتصف يونيو، ليربط ميناء غانقمود في منطقة منغوليا الداخلية الصينية بمدينة غاشون سخيت جنوب منغوليا؛ وهو ثاني معبر سكك حديدية بين البلدين منذ ما يقرب من 70 عامًا؛ ما يؤكد أهميته. والمشروع مدعوم من شركة استثمار الطاقة الصينية (CHN Energy).
ووفقًا لمسؤولي الشركة، من المتوقع أن يتعامل الخط مع نحو 30 مليون طن من البضائع سنويًّا، وسيكون معظم هذه البضائع من الفحم والنحاس وموارد أخرى تنتقل من منغوليا إلى معاقل الصين الصناعية.
وترى بكين أن خط السكة الحديدية خطوة أخرى نحو ربط شبكة نقل إقليمية واسعة، تمتد بالفعل إلى روسيا وفيتنام ولاوس؛ أما بالنسبة لمنغوليا، فيُبشّر هذا الخط بطرق تجارية جديدة ووصول أسرع إلى الأسواق العالمية، ولكنه يُبرز أيضًا مدى ارتباط اقتصادها ارتباطًا وثيقًا باقتصاد الصين.
مع تعميق الصين وروسيا ومنغوليا تعاونها الثلاثي، تعمل الهند بهدوء على تعزيز علاقاتها مع أولان باتور.
وخلافًا لممرات الطاقة وطرق التجارة التي تهيمن على أجندة الصين وروسيا، فإن علاقة الهند بمنغوليا مبنية على مزيج من التاريخ والثقافة والثقة الإستراتيجية.
تمتد العلاقات إلى ما يقرب من ألفي عام، عبر انتشار البوذية والتبادلات الثقافية في آسيا الوسطى.
وفي العصر الحديث، أصبحت الهند من أوائل الدول خارج الكتلة السوفيتية التي أقامت علاقات دبلوماسية مع منغوليا عام 1955؛ وبحلول عام 1971، افتتحت نيودلهي سفارتها في أولان باتور، ممهدةً الطريق للتعاون.