رغم العقوبات المتصاعدة والمراقبة الدولية الحثيثة، تواصل إيران تطوير بنيتها التحتية النووية على نطاق واسع، مثيرة بذلك قلقاً متنامياً لدى القوى الغربية وإسرائيل.
وبينما تؤكد طهران أن برنامجها النووي محصور في أغراض سلمية، تتزايد المؤشرات حول تحركات سرية وأبعاد عسكرية محتملة، وسط غموض يكتنف علاقتها بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، وغياب التزاماتها السابقة باتفاق 2015 النووي.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة "لوموند" الفرنسية، تم الكشف عن تطورات خطيرة على صعيد البرنامج النووي الإيراني، بعد أن أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنها لم تعد قادرة على التأكيد بأن أنشطة إيران النووية تخدم أغراضاً سلمية فقط.
وشكل هذا التصريح منعطفاً حاداً، وسرعان ما تبعه تصعيد ميداني تمثل في ضربات إسرائيلية استهدفت عدداً من المنشآت النووية الحساسة داخل إيران، في عملية وُصفت بأنها "وقائية" لتقويض قدرات طهران النووية.
نطنز.. مركز التخصيب الحيوي في قلب إيران
تُعد منشأة نطنز، الواقعة في محافظة أصفهان، قلب برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني، وتضم آلاف أجهزة الطرد المركزي المتطورة.
وتعد هذه المنشأة محصّنة جزئياً تحت الأرض، لكنها تعرضت سابقاً لهجمات سيبرانية وعمليات تخريب نُسبت إلى إسرائيل.
وقال تقرير "لوموند"، إن الضربة الأخيرة أصابت أجزاء من المنشأة تحت الأرض، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى تعطيل خطط التوسع في التخصيب لعدة أشهر على الأقل، وفق تقديرات أولية لمراقبين غربيين.
كما نقلت الصحيفة عن مصادر دبلوماسية أن إيران بدأت بالفعل تشييد بنى تحتية بديلة في موقع جديد أكثر عمقاً من نطنز، ما قد يجعلها عصية على الاستهداف الجوي مستقبلاً.
فوردو.. منشأة مغلقة في باطن الجبل
تتمركز منشأة فوردو داخل جبل قرب مدينة قم، وهي واحدة من أكثر المنشآت النووية الإيرانية تحصيناً، وسبق أن كانت محظورة الاستخدام في التخصيب بموجب اتفاق 2015. لكن في السنوات الأخيرة، عادت طهران لاستخدامها لتخصيب اليورانيوم بنسبة قاربت 84%، وهي نسبة تقترب بشكل مقلق من درجة النقاء اللازمة لصناعة سلاح نووي.
وأشارت لو موند إلى أن المنشأة كانت هدفاً للهجوم الإسرائيلي، إلا أن الأضرار التي لحقت بها كانت محدودة نسبياً، بسبب تحصينها الطبيعي.
أصفهان وأراك.. محاور الصناعات النووية والبلوتونيوم
إلى جانب نطنز، تعتبر منشأة أصفهان مركزاً أساسياً لمعالجة اليورانيوم وإنتاج الوقود النووي، كما تُستخدم في تصنيع أجهزة الطرد المركزي. الهجوم الأخير أدى إلى توقف مؤقت لبعض منشآتها، وقد ينعكس ذلك على كامل سلسلة التخصيب في حال استمر التوقف أو توسعت الأضرار.
أما في أراك، فالوضع أكثر حساسية، نظراً لطبيعة المفاعل الذي يستخدم الماء الثقيل، وهو ما يُخشى أن يُوظف في إنتاج البلوتونيوم المستخدم في الأسلحة النووية.
وأفادت الصحيفة بأن الموقع تعرض لقصف مباشر ألحق أضراراً بأجزاء من البنية التحتية، دون تحديد مدى الخسائر بدقة حتى الآن.
طهران.. مركز الأبحاث وتكنولوجيا الطرد المتقدمة
في العاصمة الإيرانية، استهدفت الغارات مركز الأبحاث النووي الرئيس، الذي يضم مفاعلاً صغيراً للأبحاث وتطوير النظائر الطبية. لكن الأهم هو أن هذا المركز يُستخدم في اختبار وتصنيع أجهزة طرد مركزي من الجيل المتقدم، وهو ما يرفع من احتمالية أن تكون الغارة الإسرائيلية قد استهدفت قدرات إيران المستقبلية في التخصيب عالي الكفاءة.
بوشهر.. الاستثناء الروسي
رغم اتساع نطاق الضربات، ظلت محطة بوشهر النووية، الواقعة على الخليج العربي، بمنأى عن الهجوم.
ووفقا لصحيفة "لوموند"، يرجع السبب إلى الحضور الروسي القوي في إدارة هذه المنشأة، حيث بُنيت بالتعاون مع موسكو وتخضع لرقابة دولية أكثر انضباطاً مقارنة ببقية المواقع. ويبدو أن إسرائيل تجنبت استهداف بوشهر لتفادي أي تصعيد مع روسيا.
يأتي هذا التصعيد في وقت تتعثر فيه المفاوضات حول إحياء الاتفاق النووي، بينما تسجل إيران تقدماً ملحوظاً في قدراتها النووية رغم العقوبات والمراقبة. تصريح الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأخير، والهجمات الإسرائيلية التي تلت، يعكسان حجم القلق من احتمال امتلاك طهران قريباً القدرة على إنتاج سلاح نووي، حتى وإن لم تتخذ بعد قراراً سياسياً بذلك.
وخلص التقرير بالقول إن المجتمع الدولي اليوم يقف أمام تحدٍّ استراتيجي كبير: كيفية إعادة إيران إلى مسار الشفافية والرقابة، دون الانجرار إلى صدام إقليمي واسع قد تكون له تداعيات تتجاوز حدود الشرق الأوسط.