يعد تسليم السلطة وتسلّمها من رئيس منتخب إلى آخر من المشاهد المألوفة التي اعتاد عليها الأمريكيون والعالم، حيث يتم كل أربع سنوات في إطار انتخابي ديمقراطي متبع منذ تأسيس الولايات المتحدة.
ويحدث هذا التقليد مجددًا مع تنصيب دونالد ترامب رسميًّا رئيسًا للولايات المتحدة.
تعد هذه العملية خطوة ذات دلالة رمزية كبيرة، إذ تُنقل السلطة رسميًّا من الرئيس الحالي إلى الرئيس المنتخب الجديد، وهو ما يمثل حجر الزاوية في الانتقال السلمي للسلطة في الديمقراطيات الحديثة.
ومن المعروف أن ولاية الرئيس الأمريكي تنتهي في العشرين من يناير، وهو ما يُسمى "يوم التنصيب".
يتخلل هذا اليوم إلقاء خطب واحتفالات تقام في العاصمة واشنطن، رغم أن هذا التاريخ ليس الأصل في الدستور الأمريكي.
ففي البداية، كان يتم تنصيب الرئيس في الرابع من مارس من العام التالي للانتخابات الرئاسية، وذلك وفقًا للنصوص الأصلية للدستور.
واستُخدم هذا التاريخ بين عامي 1793 و1933، إلى أن تم تعديل الدستور في عام 1933 عبر التعديل العشرين، ليصبح التنصيب في العشرين من يناير، في محاولة لتقليص الفترة الانتقالية بين فوز الرئيس المنتخب وبدء ولايته.
ومن خلال هذا التعديل، أصبح أمام الرئيس المنتخب نحو شهرين للتحضير لإدارته القادمة، بدلًا من أكثر من أربعة أشهر في النظام السابق.
ومنذ تأسيس الولايات المتحدة، كان الرؤساء يحضرون في حفلات التنصيب إلا في حالات نادرة.
ومن أبرز تلك الحالات كان غياب دونالد ترامب عن حفل تنصيب خلفه جو بايدن في عام 2021، حيث رفض ترامب الاعتراف بهزيمته في الانتخابات وقال صراحة عبر تويتر: "إلى كل من سألني، لن أذهب إلى حفل التنصيب في الـ20 من يناير".
وبذلك أصبح ترامب أول رئيس مهزوم يعلن عن عدم حضوره لحفل التنصيب منذ 150 عامًا، وفقًا لتقرير من شبكة "سي إن إن".
وبحسب الجمعية التاريخية للبيت الأبيض، فقد غاب خمسة رؤساء عن حفلات التنصيب بعد انتهاء ولاياتهم وهم: جون آدامز (1801)، جون كوينسي آدامز (1829)، مارتن فان بورين (1841)، أندرو جونسون (1869)، ودونالد ترامب (2021).
أول حفل تنصيب في تاريخ الولايات المتحدة
أقيم أول حفل تنصيب رئاسي في تاريخ الولايات المتحدة في 30 أبريل 1789، في مدينة نيويورك، التي كانت عاصمة البلاد آنذاك.
في ذلك الحين، أدى جورج واشنطن اليمين الدستورية ليصبح أول رئيس للولايات المتحدة في مشهد تاريخي على شرفة الطابق الثاني من مبنى "فيدرال هول".
وقال واشنطن في تلك المناسبة الكلمات التي يكررها كل رئيس أمريكي منذ ذلك الحين: "أقسم رسميًّا أنني سأؤدي مهام منصب رئيس الولايات المتحدة بأمانة، وسأبذل قصارى جهدي للحفاظ على دستور الولايات المتحدة وحمايته والدفاع عنه".
وشهدت حفلات التنصيب على مر العصور العديد من اللحظات التاريخية. ففي عام 1801، أُقيم حفل التنصيب الأول في مبنى الكابيتول في واشنطن، وهو حدث مهم لأنه كان المرة الأولى التي يُجرى فيها التنصيب في العاصمة.
وفي تلك المناسبة، كانت المرة الأولى التي يتدخل فيها مجلس النواب لحسم نتيجة الانتخابات، بعد أن تعادل توماس جيفرسون وآرون بور في أصوات المجمع الانتخابي. وقد حسم مجلس النواب النتيجة لصالح جيفرسون بعد أسبوعين من يوم التنصيب.
أما في عام 1981، فقد تم إقامة حفل تنصيب رونالد ريغان عند الواجهة الغربية لمبنى الكابيتول، وهو الموقع الذي أصبح تقليدًا مستمرًا حتى اليوم نظرًا للمساحة الواسعة التي يوفرها لجماهير الحضور.
التقدم التكنولوجي في حفلات التنصيب
شهدت حفلات التنصيب أيضًا تقدمًا تكنولوجيًّا، ففي عام 1857 تم تصوير حفل تنصيب جيمس بيوكانان فوتوغرافيًا، بينما كان حفل تنصيب ويليام ماكينلي في عام 1897 هو الأول الذي يتم تسجيله بالفيديو. ومن ثم، تم بث أول حفل تنصيب عبر شاشات التلفزيون في عام 1949 خلال حفل تنصيب هاري ترومان.
أوباما: أول رئيس أمريكي من أصل أفريقي
في عام 2009، أدى باراك أوباما اليمين الدستورية ليصبح أول رئيس أمريكي من أصل أفريقي. وفي خطابه المهيب، قال أوباما: "إن إمكانيات أمريكا لا حدود لها، لأننا نمتلك كل الصفات التي يتطلبها هذا العالم الذي لا حدود له: الشباب والحماسة والتنوع والانفتاح والقدرة اللامحدودة على المجازفة".
الانتقال السلمي للسلطة تحت إشراف ترامب
وفي نهاية فترة ولاية أوباما الثانية، أكد ترامب في خطابه يوم التنصيب على تقديره لعملية الانتقال السلس للسلطة، حيث قال: "كل أربع سنوات، نجتمع على هذه الدرجات لتنفيذ انتقال السلطة بشكل منظم وسلمي، ونحن ممتنون للرئيس أوباما والسيدة الأولى ميشيل أوباما على مساعدتهما الكريمة طوال هذا الانتقال. لقد كانا رائعين".
عودة ترامب إلى السلطة
يستعد دونالد ترامب لأداء اليمين الدستورية في مبنى الكابيتول، ليبدأ فترة رئاسية جديدة بعد أربع سنوات من مغادرته البيت الأبيض. وللمرة الأولى في التاريخ الأمريكي، يتزامن يوم التنصيب مع يوم مارتن لوثر كينغ جونيور؛ ما يجعله المرة الثالثة في تاريخ الولايات المتحدة التي يتوافق فيها يوم التنصيب مع هذه المناسبة التاريخية.
وبهذا، تظل عملية تسليم وتسلم السلطة في الولايات المتحدة رمزًا للانتقال الديمقراطي السلس، حتى وإن تخللها بعض الاستثناءات في فترات معينة.
