في مشهد يختصر رحلة صعود استثنائية، يتولى وزير المالية اليوناني كيرياكوس بييراكاكيس (42 عامًا) رئاسة "اليوروغروب" الهيئة الأوروبية القوية التي أنقذت بلاده من الإفلاس قبل 10 سنوات.
هذا العالِم في علوم الكمبيوتر وخريج هارفارد وMIT، الذي شارك شخصيًا في مفاوضات أزمة الديون اليونانية المذلة، يقود الآن المنتدى الذي وُصف ذات يوم بأنه "مكان لا يصلح إلا للمختلين نفسيًا".
قصة بييراكاكيس ليست مجرد قصة نجاح شخصي، بل هي انعكاس لتحول اليونان نفسها من دولة على حافة الطرد من منطقة اليورو إلى "نموذج للانضباط المالي"، وإن كانت لا تزال تحمل أعلى نسبة دين في أوروبا.
فاز وزير المالية اليوناني، كيرياكوس بييراكاكيس، الخميس على نائب رئيس الوزراء البلجيكي فينسنت فان بيتيغيم في سباق ثنائي على رئاسة "اليوروغروب".
رغم أن المنصب يمثل منتدى غير رسمي لوزراء مالية منطقة اليورو، إلا أنه أثبت أهميته المحورية في التغلب على الأزمات، لا سيما أزمة الديون السيادية التي أسفرت عن 3 عمليات إنقاذ للحكومة اليونانية.
كان ذلك قبل 10 سنوات، عندما وصف سلف بييراكاكيس اليوروغروب بأنه مكان لا يصلح إلا للمختلين نفسيًا. اليوم، تقدم أثينا نفسها كنموذج يُحتذى للانضباط المالي بعد أن خفضت كومة ديونها بشكل كبير إلى حوالي 147% من ناتجها الاقتصادي، رغم أنها لا تزال الأعلى في منطقة اليورو.
"جيلي تشكّل بفعل أزمة وجودية كشفت قوة المرونة، وثمن التراخي، وضرورة الإصلاح، والأهمية الاستراتيجية للتضامن الأوروبي"، كتب بييراكاكيس في رسالته التحفيزية للوظيفة. "قصتنا ليست وطنية فحسب؛ إنها أوروبية بعمق".
و"اليوروغروب" هو هيئة غير رسمية تضم وزراء مالية الدول الـ20 الأعضاء في منطقة اليورو. رغم طابعه غير الرسمي، يلعب دورًا محوريًا في صنع السياسات الاقتصادية والمالية للاتحاد الأوروبي، وكان له دور حاسم في إدارة أزمة الديون السيادية الأوروبية.
لم يتوقع سوى القليل من الدبلوماسيين في البداية أن يفوز عالم الكمبيوتر والاقتصادي السياسي البالغ من العمر 42 عامًا بالسباق بعد استقالة الرئيس الحالي باسكال دونوهو المفاجئة الشهر الماضي. كان فان بيتيغيم البلجيكي يتمتع بخبرة أكبر ويحظى باحترام كبير داخل منطقة اليورو، مما جعله المرشح الأوفر حظًا للفوز في البداية.
لكن إحجام بلجيكا المستمر عن دعم محاولة المفوضية الأوروبية لاستخدام القيمة النقدية للأصول الروسية المجمدة لتمويل قرض تعويضات بقيمة 165 مليار يورو لأوكرانيا ساهم في النهاية في هزيمة فان بيتيغيم.
بييراكاكيس ليس عضوًا نموذجيًا في حزب الديمقراطية الجديدة اليميني الوسطي الحاكم، الذي ينتمي إلى حزب الشعب الأوروبي. خلفيته السياسية اشتراكية، حيث عمل مستشارًا لحزب باسوك اليساري الوسطي منذ عام 2009، عندما غرقت اليونان في الأزمة المالية. بل كان أحد التكنوقراط اليونانيين الذين تفاوضوا مع دائني البلاد.
انضم إلى حزب الديمقراطية الجديدة لدعم محاولة رئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس للقيادة الحزبية في عام 2015، لأنه شعر أنهما يتشاركان رؤية سياسية مشتركة.
حصل بييراكاكيس على فرصته السياسية الكبيرة عندما فاز حزب الديمقراطية الجديدة بالانتخابات الوطنية في عام 2019، بعد 4 سنوات من العمل كمدير لمعهد الأبحاث والسياسات "دياليوسيس". عُين وزيرًا للحوكمة الرقمية، حيث أشرف على جهود اليونان لتحديث بيروقراطيتها المتهالكة، واعتماد حلول رقمية لكل شيء من اجتماعات مجلس الوزراء إلى الوصفات الطبية.
جعلت تلك الجهود منه واحدًا من أكثر الوزراء شعبية في الحكومة اليونانية - لدرجة أن بييراكاكيس يُشار إليه كثيرًا في الصحافة اليونانية كخليفة محتمل لميتسوتاكيس في قيادة الحزب.
بعد إعادة انتخاب الديمقراطية الجديدة في عام 2023، تولى بييراكاكيس وزارة التعليم، حيث دعم تشريعات مثيرة للجدل مهدت الطريق لإنشاء جامعات خاصة في اليونان.
وضعته عملية إعادة تشكيل الحكومة في مارس/ آذار الماضي داخل وزارة المالية، حيث عجّل الخطط لسداد ديون اليونان للدائنين وتعهد بخفض ديون البلاد إلى أقل من 120% من الناتج المحلي الإجمالي قبل عام 2030.
الآن، مع توليه رئاسة "اليوروغروب"، يواجه بييراكاكيس التحدي الأكبر في مسيرته: قيادة وزراء مالية منطقة اليورو في وقت تواجه فيه أوروبا تحديات اقتصادية وجيوسياسية معقدة. السؤال الذي يطرح نفسه: هل سينجح عالم الكمبيوتر الذي أنقذ بلاده في إنقاذ أوروبا أيضًا؟