logo
العالم

بوكروفسك.. المدينة التي قضمها "النمل الأبيض" الروسي من الداخل

مدينة بوكروفسكالمصدر: أ ف ب

تحوّلت مدينة بوكروفسك إلى أيقونة لشكل جديد من أشكال الحرب تختبره روسيا في أوكرانيا، حيث لا انتصار سريع ولا هزيمة مفاجئة، إنما استنزاف طويل "يأكل المدافعين من الداخل"، وفق تعبير تقرير صحيفة "التليغراف" البريطانية.

وعلى نحو مختلف عن معارك باخموت، اتخذت روسيا إستراتيجية "النمل الأبيض" في مدينة بوكروفسك، إذ لم تعد المعركة هناك تُدار بأرتال الدبابات أو الهجمات الجماعية الكاسحة، بل عبر مجموعات صغيرة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، تتسلل داخل جدران المدينة "تأكلها من الداخل بهدوء مرعب". 

وبفضل إستراتيجية النمل الأبيض"، صارت بوكروفسك "كابوساً معلوماتياً ونفسياً" للقوات الأوكرانية، وفق الرواية الروسية، وأجبرت العالم على إعادة التفكير في معنى "الخط الأمامي" في الحرب الحديثة.

ويوم الإثنين الماضي، وبعد 18 شهراً من القتال الشرس أعلنت موسكو سيطرتها الكاملة على المدينة الواقعة في شرق أوكرانيا، والتي تُعدّ خط إمداد إستراتيجياً للقوات الأوكرانية، إضافة إلى بلدة فوفشانسك شمال شرق البلاد.

وبينما تنفي كييف الادعاء، لكن الجنود على الأرض يؤكدون أن السقوط بات مسألة ساعات أو أيام على الأكثر، كما أن خرائط "الدولة العميقة" الأوكرانية الموثوقة تظهر أن روسيا تسيطر فعلياً على نصف المدينة على الأقل، فيما تغطي "المنطقة الرمادية" التي لا يملكها أحد تماماً، بقية الأحياء. 

التسلل المجهري

وبحسب تقارير ميدانية لصحيفة "التليغراف"، لا يوجد شارع واحد تحت سيطرة أوكرانية كاملة، مشيرة إلى أن السر يكمن في تكتيك "التسلل المجهري"، فبدلاً من الهجوم الجماعي الذي تكشفه الطائرات المسيرة فوراً، يتقدم الروس في مجموعات من 3 إلى 5 أشخاص فقط. 

أخبار ذات علاقة

جنود يرفعون العلم الروسي وسط مدينة بوكروفسك الأوكرانية.

بين قتال شرس ومفاوضات سرية.. روسيا تستخدم بوكروفسك كورقة تفاوض

وتكشف طائرة استطلاع روسية الثغرات الناتجة عن نقص القوى البشرية الأوكرانية، ثم ينطلق المتسللون، أحياناً بزي مدني، على دراجات هوائية أو نارية، وأحياناً مرتدين الزي الأوكراني نفسه مع الشارة الزرقاء.

ويروي الجندي إيفان (21 عاماً) من فرقة "ذئاب دافنشي" كيف مرّت مجموعة روسية بجانب وحدته تماماً دون أن يشكّوا بهم إلا بعد تحذير لاسلكي في اللحظة الأخيرة.

وبات الطقس "حليفاً روسياً"، وفق وصف تقرير الصحيفة البريطانية، ففي الأيام المشمسة، تستطيع الطائرات المسيرة الأوكرانية الحد من عدد المتسللين إلى نحو 10 يومياً، أما في الضباب أو المطر، فيقفز العدد إلى 40 أو أكثر. وفي نوفمبر الماضي، استغل الروس ضباباً كثيفاً لإدخال مئات الجنود على دراجات نارية وشاحنات مدنية تبدو كمركبات "ماد ماكس". 

النيران الصديقة 

بينما أقر الرئيس فولوديمير زيلينسكي بدخول 300 متسلل على الأقل، لكنّ التقديرات "المحيادة" تشير إلى أنهم الجنود أضعاف ذلك العدد، وهو ما جعل مفهوم الجبهة التقليدية يختفي تماماً داخل المدينة.

وأصبح الشك سلاحاً مزدوج الحد، داخل المدينة، فأوامر روسية مُعترضة كشفت أن قادة ميدانيين أُمروا بإطلاق النار على أي شخص يعبر خطوط السكك الحديدية حتى لو كان مدنياً يحمل كيس غسيل.كما أن لقطات طائرات مسيرة وثقت جثث مدنيين سقطوا بهذه الطريقة.

 في المقابل، سجّلت حالات إطلاق نار أوكراني خاطئ على مركبات صديقة بسبب الالتباس، أو تدمير طائرات مسيرة أوكرانية لمركبات برية غير مأهولة تابعة للواء آخر.

ويصف المحلل العسكري الفنلندي إميل كاستهيلمي الظاهرة بـ"نزع الآليات"، عن الحرب، مشيراً إلى أن الطائرات المسيّرة جعلت أي تجمّع كبير هدفاً فورياً، فاستبدلته روسيا بحرب "النمل الأبيض"، البطيئة، والصامتة، لكنها تأكل الدفاعات من الداخل. 

وإن كان الثمن بالنسبة للروس مرتفعاً، مع مقتل كثير من المتسللين، لكن الكلفة الأوكرانية أعلى نفسياً ولوجستياً، إذ إن طياري الطائرات المسيّرة الذين يشكلون 90% من الضربات الفعّالة، أصبحوا، الآن، الهدف الأول، فسُحب الكثيرون إلى الخلف، مما أضعف الاستجابة.

ويعتقد كاستهيلمي أن بوكروفسك باتت مختبراً حياً للحرب الحضرية في عصر الطائرات المسيرة، مشيراً إلى أن روسيا نجحت في تحويل نقطة ضعفها في عدم قدرتها على هجوم آلي كبير، إلى قوة تسلل بطيء يصعب إيقافه. ويضيف "النمل الأبيض بطيء.. لكنّ لا يمكن إيقافه بسهولة".

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC