مسيّرة تستهدف سيارة على طريق بلدة مركبا جنوبي لبنان

logo
خريطة السيطرة في ماليالمصدر: إرم نيوز
العالم

"نصرة الإسلام" تتمدد والجيش يتآكل.. ما خريطة السيطرة في مالي؟

لم يحتج المشهد في مالي، البلد الواقع في غرب إفريقيا، سوى شهرين فقط لتتبدل خريطته الميدانية بشكل جذري؛ إذ أعادت جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، التابعة لتنظيم القاعدة، رسم خريطة انتشارها بعد أن كثّفت هجماتها وفرضت حصارًا اقتصاديًّا خانقًا، فيما تواصل مناطق سيطرة الجيش الحكومي التآكل الميداني في محاولة يائسة لتحصين محيط العاصمة باماكو ومنع سقوط النظام.

حصار العاصمة وشلل اقتصادي

ومنذ أوائل سبتمبر الماضي، أحكمت الجماعة المتطرفة قبضتها على الطرق المؤدية إلى العاصمة، لتصبح باماكو، التي يقطنها نحو ثلاثة ملايين نسمة، مهددة بالعزلة الكاملة. وتمنع الجماعة دخول واردات الوقود؛ ما أدى إلى شلل شبه كامل في الاقتصاد، فيما تتعرض الطرق الرئيسية التي تمر عبرها معظم البضائع القادمة من السنغال وساحل العاج لهجمات متكررة، إذ تُضرم مجموعات مسلحة النار في الشاحنات والصهاريج.

تأسست "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" عام 2017، وتمكنت سريعًا من التغلغل في المناطق الريفية، وفرض نفوذها عبر إستراتيجية تقوم على استنزاف الدولة ومحاصرة العاصمة تدريجيًّا.

تمدد سريع وهيمنة على نصف البلاد

وخلال سنوات قليلة، تمكنت الجماعة من السيطرة على ما بين 40 إلى 50 في المئة من أراضي مالي، حيث بسطت نفوذها على مناطق موبتا وسيغو وباندياغارا وسط البلاد، وسيطرت جزئيًّا على تمبكتو وغاو في الشمال، بينما اقتربت من العاصمة جنوبًا.

هذا التمدد جاء نتيجة تجنيد مكثف لعناصر من شعوب الفولاني والدوغون والبامبارا، إلى جانب مكوناتها الأصلية من الطوارق والعرب. كما تنشط الجماعة في بوركينا فاسو والنيجر وبنين وتوغو.

وتُحكم الجماعة السيطرة على القرى عبر اتفاقيات محلية غير مباشرة، مستغلة انسحاب الجيوش الغربية واستياء السكان من انتهاكات الجيش المالي وحلفائه الأجانب؛ ما عزز قاعدتها الاجتماعية في المناطق المهمشة.

إستراتيجيتها الميدانية أجبرت الحكومة على إغلاق المدارس وحرمان مئات الآلاف من الحصاد الزراعي، فضلًا عن تقويض الوصول إلى الكهرباء والخدمات الأساسية. كما منعت الجماعة شركة نقل كبرى في باماكو من العمل إلا بشروط محددة، تضمنت عدم نقل الجنود، والفصل بين الرجال والنساء، وارتداء النساء الحجاب. وتُموّل أنشطتها عبر الضرائب المحلية وفدية عمليات الاختطاف.

عجز المجلس العسكري وتآكل سلطة الدولة

يبدو أن المجلس العسكري الحاكم عاجز عن كبح جماح الجماعة المتطرفة، وهو ما أقرّ به الرئيس الانتقالي أسيمي غويتا، الذي قال في خطاب رسمي: "أشكر الشعب على صبره، لكن يجب أن تدركوا أن هذا الوضع، بما يصاحبه من صعوبات في الإمدادات، مرشح للاستمرار".

وخلال زيارته إلى كوليكورو، الواقعة على بعد 150 كيلومترًا من باماكو، دعا غويتا المواطنين إلى "التحلي بالصمود"، إلا أن خطابه كشف ضمنيًّا اعتراف الحكومة بعجزها عن كسر الحصار.

وباتت مناطق سيطرة الجيش المالي تتقلص يومًا بعد آخر، ولا تتجاوز حاليًّا 50 في المائة من مساحة البلاد، تشمل العاصمة ومدنًا جنوبية مثل سيكاسو وسيغو وكايس، إلى جانب كيدال في الشمال وتمبكتو جزئيًّا.

ويواجه النظام خنقًا اقتصاديًّا متصاعدًا مع انقطاع الإمدادات الحيوية من الوقود والغذاء؛ ما يهدد استقرار الدولة ويدفعها نحو الاستنزاف المالي واللوجستي، في ظل تصاعد الغضب الشعبي.

استعانة بمرتزقة فاغنر وفشل الوعود

الجيش، الذي وصل إلى السلطة عبر انقلابين متتاليين في 2020 و2021، وعد بإنهاء التمرد المسلح الذي أنهك البلاد لأكثر من عقد. لكن بعد قطيعة كاملة مع القوى الغربية وعلى رأسها فرنسا، لجأت باماكو إلى القوات شبه العسكرية الروسية ومرتزقة فاغنر، الذين أصبحوا يُعرفون محليًّا باسم "فيلق إفريقيا"، دون أن ينجحوا في تحقيق اختراق حقيقي ضد الجماعات المتشددة.

"داعش" ينافس "النصرة" على النفوذ والاختطاف

ولا تنفرد جماعة النصرة بالساحة الجهادية في مالي؛ إذ يواصل تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى نشاطه في المناطق الحدودية بين النيجر وبوركينا فاسو، إضافة إلى غاو وميناكا وأندرامبوكاني في شرق البلاد، على مساحة لا تتجاوز  15% من أراضي مالي.

ويعتمد فرع "داعش" في الساحل على الاختطاف كمصدر تمويل رئيسي، مستهدفًا شخصيات محلية وأجنبية، وكان آخرها حادثة نقل امرأتين أجنبيتين إلى التنظيم عبر وسطاء إجراميين في أغاديز بالنيجر قبل تسليمهما في منطقة أنديرامبوكان بمالي.

ورغم هذا النشاط، تراجع نفوذ التنظيم خلال السنوات الأخيرة تحت ضغط العمليات العسكرية المكثفة في المنطقة الثلاثية بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، إضافة إلى تقدم جماعة النصرة ميدانيًّا. وشهد التنظيم انهيارًا رمزيًّا بعد مقتل قائده في الساحل عدنان أبو وليد الصحراوي في أغسطس 2021، ثم مساعده الأيمن سومانا بورا بعد أربعة أشهر فقط.

انحسار الحركات الأزوادية وتفاهمات ميدانية

في المقابل، تراجع نفوذ الحركات الأزوادية المتمردة بعد انهيار اتفاق السلام مع الحكومة، وانحصرت سيطرتها في أجزاء محدودة من شمال شرق البلاد، خصوصًا في كيدال وتينزاواتين وميناكا جزئيًّا.

أخبار ذات علاقة

مريم سيسيه

بحجة التعاون مع الجيش.. إعدام تيك توكر في مالي بساحة عامة (فيديو)

وتحت ضغط ضربات الجيش المالي ووكلائه الروس، اضطر الأزواد إلى توقيع معاهدة عدم اعتداء مع الجماعات المتطرفة التي تتفوق عليهم عسكريًّا. وفي الوقت ذاته، يواصل الداعمون الغربيون التقليديون، وعلى رأسهم فرنسا وأوكرانيا، دعم الحركات الأزوادية عبر تدريبها على استخدام الطائرات المسيّرة، في محاولة لقلب معادلة القوة مجددًا لصالحها.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC