في عودة لافتة إلى المشهد السياسي، نجح رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق ميشيل بارنييه في حجز مقعده مجددًا داخل الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) نائبًا عن الدائرة الثانية في باريس.
الفوز جاء بعد أكثر من ثلاثة عقود على انتهاء آخر ولاية برلمانية له، ليؤكد أن الرجل الذي غادر قصر "ماتينيون" قبل عشرة أشهر لم يخرج بعد من معترك السياسة.
من جانبه، قال الباحث السياسي الفرنسي، وأستاذ العلوم السياسية في جامعة السوربون بيير مارتان، لـ"إرم نيوز"، إن "عودة ميشيل بارنييه لتعيد إلى السطح نقاشات أساسية في السياسة الفرنسية الحالية: بين الاستقرار السياسي، الخبرة القيادية، والتحديات التي تواجهها الحكومة في ظل برلمان منقسم".
وأشار إلى أن بارنييه معروف بكونه سياسيًّا مخضرمًا، وقد اكتسب احترامًا دوليًّا من خلال دوره في مفاوضات البريكست، بالإضافة إلى عمله الطويل في مؤسسات الدولة، معتبراً أن عودته يُنظر إليها من بعض الأكاديميين كعودة لـ"ضمانة خبرة" في فترة تختلط فيها الشعارات الكبيرة بالتردد والإرباك السياسي.
ووفقاً للباحث الفرنسي، فإنه "من خلال فوزه في الدائرة الانتخابية الباريسية الراقية، يقدم بارنييه نفسه كخيار يميل إلى الوسط/اليمين، يستطيع جمع التأييد من قطاعات عريضة ما بين المحافظين والمنادين بالاستقرار، بغضّ النظر عن الاستقطابات الحادة التي تسود في المشهد الفرنسي حاليًّا".
الكثيرون يرون في عودته رسالة بأن التقاعد السياسي ليس دائمًا نهاية المسار، وأن الخبرة يمكن أن تُستدعى حين تواجه الدولة أزمات – اقتصاد، أمن، هجرة – تتطلب قيادة صاحبة تاريخ ومعرفة.
وفي جولة الإعادة التي جرت الأحد 28 سبتمبر، تفوق بارنييه، مرشح حزب الجمهوريين (LR)، على منافسته الاشتراكية والوزيرة السابقة فريديريك بريدان، حاصدًا 62.6% من الأصوات مقابل 37.4% لها. وكان قد تصدر الجولة الأولى بنسبة 45.2% من الأصوات، متقدمًا على بريدان التي نالت 31.4%، بحسب صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية.
بارنييه، البالغ من العمر 74 عامًا والمنحدر من سافوا، استفاد من الثقل الانتخابي للدائرة الثانية في باريس، التي تضم أحياء برجوازية مثل الدوائر الخامسة والسادسة والسابعة. وقد دخل السباق منتصف يوليو، عقب إبطال انتخاب سلفه جان لوسوك (عن حزب النهضة)؛ بسبب مخالفات مالية في حملته.
ومرحلة ما قبل الحملة لم تخلُ من تعقيدات؛ إذ واجه بارنييه نوايا منافسة من وزيرة الثقافة ورئيسة بلدية الدائرة السابعة رشيدة داتي، التي ألمحت إلى ترشحها للانتخابات التشريعية بهدف تعزيز أوراقها في السباق البلدي المقبل بباريس. لكنها عدلت عن قرارها بعد أن ضمن لها حزب الجمهوريين دعمه رسميًّا في هذا الاستحقاق المحلي.
بارنييه سيعود في الأيام المقبلة إلى القاعة نفسها التي أسقطت حكومته في ديسمبر 2024. ومع استئناف البرلمان أعماله بعد العطلة الصيفية، سيكون بارنييه العضو الخمسين في كتلة الجمهوريين.
وقد أبدى رغبته في الانضمام إلى لجنة الشؤون الخارجية، إضافة إلى اهتمام خاص بملفات الذكاء الاصطناعي والسيادة الوطنية والسياسات الصناعية، وهي قضايا كان يتابعها عن قرب إلى جانب النائب الراحل أوليفييه مارليكس، أحد المقربين منه.
بارنييه، الذي بدأ بالفعل الإعداد لاقتراح لجنة تحقيق، وأسئلة برلمانية حول السياسة الدولية، ومشروع قانون يتعلق بقضية محلية في باريس، لا يخفي طموحه السياسي.
بعض كوادر الجمهوريين يرون أن عودته تحمل في طياتها نزعة قيادية وطنية، فيما وصفه أحد النواب بابتسامة: "الشهية تأتي مع الأكل". أما لخصومه، فقد أسرّ هذا الصيف: "هناك ثغرة صغيرة في المشهد السياسي… وسأحاول أن أستغلها".