استيقظت منطقة غرب أفريقيا مرة أخرى يوم الأحد الأخير على أصوات طلقات الرصاص من جانب مجموعة متهورة من الجنود الذين أرادوا الإطاحة بالحكم القائم في بنين، لكنهم فشلوا بعد ساعات من إحباطه.
وفشلت محاولة الانقلاب التي شنها مجموعة من الجنود البنينيين صباح الأحد. وفي غضون ساعات، أعلنت الحكومة أنها استعادت السيطرة على الوضع، وذلك بفضل التدخل المباشر للجيش النيجيري، الذي استُدعي كتعزيزات بناءً على طلب السلطات في حدث نادر في القارة.
ومكّن هذا الدعم الحاسم، الذي عُزز بوجود قوات من ساحل العاج وسيراليون وغانا تحت رعاية المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، من تحييد التمرد قبل أن يتحول إلى انقلاب شامل.
وأدركت حكومة بنين سريعاً أنها لا تواجه أزمةً تُضاهي تلك التي شهدتها النيجر أو بوركينا فاسو أو غينيا، فقد استولى المتمردون على محطة التلفزيون، ولم يسيطروا على أي شيء آخر بعدها، لم تسقط الوزارات ولا المطار ولا مؤسسات الدولة الأساسية في أيديهم. وتدريجيًا، استعادت القوات الموالية مواقع رئيسية، وصدت المتمردين، وضيقت الخناق على جيوب التمرد المتبقية.
ووفقاً للتقارير الأولية، قصفت طائرات عسكرية نيجيرية المعسكر الذي كان المتمردون يتحصنون فيه، فيما أشادت كوتونو بهذا التدخل الإقليمي السريع، معتبرة إياه عملاً تضامنياً هاماً ودفاعاً عن النظام الدستوري. لولا هذا الدعم، يعتقد العديد من المراقبين أن النتيجة كانت ستكون مختلفة تمامًا، إذ كان نظام الرئيس باتريس تالون مهددًا بالفعل.
وبعدها ظهر الرئيس تالون على الهواء مباشرة في نشرة أخبار الساعة الثامنة مساءً، مؤكدًا محاولة الانقلاب، ومطمئنًا المشاهدين بـ"استعادة النظام الجمهوري". وعلى الرغم من اعتقال عدد من المتمردين، إلا أن زعيمهم، العقيد باسكال تيغري، اختفى دون أن يجدوا له أثر.
وأوضح المحلل في مجال الأمن والجغرافيا السياسية أمادو ناجي أن فشل محاولة الانقلاب العسكري في بنين تعدّ نبأً سيئا للغاية للمجالس العسكرية في منطقة الساحل، ويمنح الأمل للمنطقة بأكملها، مؤكدا أنه حدث ذو أهمية رمزية كبيرة.
وقال أمادو في تصريح خاص لـ"إرم نيوز"، إن المجالس العسكرية في منطقة الساحل راهنت على جذب كتلة من البلدان إلى صفها لجعل العودة إلى الديكتاتورية العسكرية لا رجعة فيها. لكنهم فشلوا في بنين، وأثاروا الوعي بالخطر الذي يمثلونه على المنطقة بأسرها.
وأشار المحلل النيجيري إلى محافظة بنين على استقرارها منذ العام 1990، وهي أفضل حالاً نسبياً من العديد من الدول الأخرى من حيث التنمية الاقتصادية. وعلى الرغم من أن ديمقراطية بنين بعيدة عن الكمال، إلا أنها حافظت على وعدها بالانتقال السلمي للسلطة. ويعتقد أنها أقدم ديمقراطية في غرب أفريقيا، زيادة على ذلك، فقد أثبتت أنها أكثر نجاحًا من جارتها السنغال، حيث لم يحدث انتقال سلمي للسلطة إلا في العام 2000.
ويُسلّط فشل الانقلاب في بنين الضوء على درسٍ آخر يتعلق بسياسة حسن الجوار التي تُجدي نفعا. فبدلا من تأجيج التوترات، اختارت دول المنطقة التضامن فقد منعت نيجيريا انهيار دولة مجاورة وسارعت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس" إلى تجنّب دورة جديدة من الأزمات وتم تجنب حرب أهلية بأعجوبة.
لكن بالنسبة لمحللين آخرين، فإن أي فكرة للانقلاب على الرئيس تالون أو إزاحته ترتبط ارتباطا وثيقا بشبكة المصالح الغربية التي أُعيد تنشيطها مؤخرًا، إذ يحظى بثقة باريس والمراكز المالية الرئيسية، ويُنظر إليه باعتباره ضامنا موثوقا به للمصالح الفرنسية والغربية في بنين وفق ما يذكر المحلل السياسي النيجري، أمادو كوديو.
وقال في تصريح لـ"إرم نيوز"، إنه محاط بشبكة من رجال الأعمال والسياسيين الدوليين من فرنسا ونيجيريا وبنين وأماكن أخرى، بما في ذلك الرئيس النيجيري نفسه. لذلك يعتقد كوديو أنه لن يقبل هؤلاء برحيله إلا بعد إيجاد بديل يسير على نفس النهج ويحافظ على النفوذ الفرنسي في البلاد.
ومع ذلك تعدّ هذه المحاولة الفاشلة بمثابة جرس إنذار لأفريقيا، حيث سيتعين على باتريس تالون، الذي أعلن تنحيه بعد الانتخابات الرئاسية في أبريل المقبل، أن يُعيد النظر في الهشاشة الأمنية التي كشفت عنها هذه الحادثة.
فما حدث في بنين ليس حالةً معزولة، منذ العام 2020، تهزّ موجةٌ من الانقلابات القارة من مالي، إلى غينيا، بوركينا فاسو، النيجر، الغابون، مدغشقر، غينيا بيساو.
هذه المحاولة الأخيرة، وإن لم تُكلَل بالنجاح، يؤكد مراقبون أن القلقَ قاري وأن القادة الأفارقة عليهم إدراك أخيرًا أن السياقَ لم يعد سياقَ الستينيات أو التسعينيات.
لكن في المقابل، يثير درس بنين أن الانقلابات ليست هي الحل لمنطقة مثقلة بالأزمات وتربص المتطرفين الذين تمكنوا من الاستيلاء على مساحات واسعة من بلدان مالي وبوركينافاسو منذ تغيير النظام بالقوة.
وبين يناير ونوفمبر 2025، سُجِل أكثر من 450 هجومًا إرهابيًا نفذتها جماعات مسلحة في غرب أفريقيا. وبينما أصبحت دول الساحل، مثل مالي وبوركينا فاسو والنيجر، بؤرة للتطرف، كما يُشير "مؤشر الإرهاب العالمي" الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام، فإن التهديد يُلاحَظ الآن أيضًا في الدول الساحلية لخليج غينيا، مثل كوت ديفوار وبنين وتوغو وغانا.