logo
العالم

بعد الدعم المطلق.. هل أنهت أمريكا "الشيك المفتوح" مع أوكرانيا؟

بعد الدعم المطلق.. هل أنهت أمريكا "الشيك المفتوح" مع أوكرانيا؟
رجال انقاذ في أحد المواقع المستهدفة من قبل روسيا في أوكرانياالمصدر: (أ ف ب)
15 يونيو 2025، 5:27 ص

لم يكن أشد المتفائلين في كييف يتوقع أن يتبدل المزاج الأمريكي بهذه السرعة، فبعد أكثر من عامين من المساعدات العسكرية السخية، يخرج وزير الدفاع الأمريكي ليُعلن رسميًّا "التخفيض قادم ولا وعود مفتوحة" بل أرقام جديدة في ميزانية 2026 تشير إلى أن عصر الإنفاق غير المشروط على الحرب الأوكرانية يوشك أن يُطوى.

التصريح الذي أدلى به الوزير بيت هيغسيث خلال جلسة استماع في الكونغرس، كشف عن خفض كبير في الأموال المخصصة لشراء أسلحة جديدة لأوكرانيا، في انعكاس واضح لنهج إدارة الرئيس دونالد ترامب، التي باتت تعتبر التفاوض لا التصعيد، هو الطريق الأقصر لمصالح أمريكا. 

وأكد هيغسيث، أن الرؤية الحالية تختلف "تمامًا" عن نهج الإدارة السابقة، مشيرًا إلى أن التسوية السياسية باتت خيارًا استراتيجيًّا لا مفر منه.

وفي السياق نفسه، وصف نائب الرئيس الأمريكي جاي دي فانس ما حدث في عهد بايدن بـ"الجنون"، معتبرًا أن واشنطن أخفقت في استثمار القوة الدبلوماسية، وأطالت أمد الصراع دون أفق واضح. 

أما ترامب، فلم يُخف خلال تصريحاته الأخيرة رغبته في إعادة تقييم كل دولار يُنفق في الخارج، ملمّحًا إلى احتمال وقف المساعدات نهائيًّا في حال فشل التفاوض مع موسكو.

مع هذا التحول الجذري، يبقى التساؤل الأهم، فهل تطوي ميزانية 2026 صفحة الدعم اللامحدود؟، وهو ما أجاب عنه الخبراء في الشأن الدولي خلال السطور التالية. 

وقال إبراهيم كابان، مدير شبكة الجيوستراتيجي للدراسات، إن الإدارة الأمريكية تمارس ضغوطًا متزايدة على الحكومة الأوكرانية، بهدف دفعها لتقديم تنازلات تصبّ في مصلحة روسيا، ولا سيما في ملف الأراضي.

وأكد كابان، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لا يزال متمسكًا بانسحاب القوات الروسية من المقاطعات الأربع التي سيطرت عليها موسكو، بالإضافة إلى كافة الأراضي التي احتلتها منذ بداية الحرب. 

وأشار إلى أن روسيا، من جهتها، ترفض هذا الطرح رفضًا قاطعًا؛ ما يضع الولايات المتحدة في موقف بالغ التعقيد، إذ تسعى لإقناع زيلينسكي بتقديم تنازلات محدودة دون أن تُخالف الموقف الغربي المعلن، وفي الوقت نفسه تعمل على الحد من التصعيد الروسي وإيجاد مخرج تفاوضي يُرضي الطرفين، حتى وإن كان على حساب وحدة الأراضي الأوكرانية.

وأضاف مدير شبكة الجيوستراتيجي للدراسات، أن هناك ضغوطًا واضحة تمارسها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تمثلت في تقليص الدعم المخصص لأوكرانيا ضمن ميزانية الدفاع الأمريكية لعام 2026، في خطوة تُشير إلى رغبة ترامب في إنهاء الحرب بأي ثمن، حتى لو كان ذلك على حساب الحسابات الجيوسياسية التقليدية.

وتساءل كابان: "إذا تراجع الدعم الأمريكي، هل ستواصل روسيا عملياتها العسكرية، وكذلك توسيع نفوذها داخل الأراضي الأوكرانية؟".

وأشار إلى أن هناك تساؤلات كثيرة تدور حول نوايا واشنطن الحقيقية، خاصة إذا كان خفض الدعم يهدف كذلك إلى دفع الدول الأوروبية نحو تقليص إنفاقها على أوكرانيا وتوجيه تلك الموارد لبناء منظومة دفاعية أوروبية مستقلة.

وشدد كابان على أن الصراع تجاوز حدود الحرب الإقليمية، ليُصبح أداة ضغط في مشهد النظام الدولي الجديد، موضحًا أن "الإدارة الأمريكية تتعامل مع أوكرانيا كأداة تفاوض، لا كحليف دائم، أما روسيا، فهي تدرك ذلك وتسعى لاستغلاله، بينما تجد أوروبا نفسها في موقف رد الفعل، تُجبر على التكيف مع المزاج الأمريكي المتغير".

وقال إن انسحاب واشنطن من دعم كييف قد يؤدي إلى تقليص الدعم الأوروبي لاحقًا؛ ما يعني احتمالية تغيير مسار الحرب بالكامل، وإعادة تشكيل خريطة أوروبا الشرقية لعقود مقبلة.

من جانبه، رأى المحلل السياسي والخبير في الشؤون الأوروبية، كارزان حميد، أن تقليص الدعم المالي الغربي لأوكرانيا لم يكن مفاجئًا، بل كان مسألة وقت، في ظل الحاجة إلى مراجعة هذا الدعم وإعادة ضبطه تدريجيًّا.

وقال حميد، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن عدة عوامل دفعت الدول الغربية للتفكير مليًّا في استمرار تمويل الاقتصاد الأوكراني، على رأسها الفساد المستشري في المؤسسات الأوكرانية، وغياب خطة شفافة لتوزيع الأموال داخل البلاد بشكل عادل.

وأوضح المحلل السياسي، أنه لا يمكن تجاهل أن الكونغرس الأمريكي طالب قبل عام ونصف العام الرئيس زيلينسكي، بتفسير تقارير تحدثت عن فساد كبير في استخدام المساعدات الأمريكية، سواء الاقتصادية أو العسكرية.

وأشار الخبير في الشؤون الأوروبية، إلى أنه رغم التحسن الكبير في حجم القطاع العسكري الأوكراني، الذي وصل إلى نحو 35 مليار دولار سنويًّا، فإن الدعم الغربي لم يكن ولن يكون بلا شروط أو على بياض.

وأكد كارزان حميد، أن إدارة ترامب أعادت النظر فعليًّا في التمويل الموجه لكييف، فيما لم يكن التمويل الأوروبي مجانيًّا بالكامل، إذ شمل قروضًا ميسّرة واتفاقات تمويل مشروطة بالاستثمار بعد انتهاء الحرب.

وأوضح أن ترامب يسعى عمومًا إلى إعادة تدوير أموال المساعدات الخارجية لصالح الداخل الأمريكي، وهو توجّه يُستخدم سياسيًّا لكسب دعم بعض القوى المعارضة داخل البلاد.

وأكد أن خفض الدعم لأوكرانيا سينعكس على مسارين رئيسين في السياسة الأمريكية، الأول هو الدعم غير المشروط لإسرائيل، والذي يرهق الموازنة الفيدرالية ويستدعي إعادة توجيه الموارد، والثاني هو استخدام هذا الضغط كوسيلة لإجبار زيلينسكي على قبول شروط تفاوضية مع موسكو، بعيدًا عن المواقف الأوروبية التي ترفض حتى الآن أي حوار مباشر مع روسيا.

 

;
logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC