logo
العالم

غياب الحوافز وضعف القيادة.. أوكرانيا تواجه مخاطر "فرار جماعي" لجنودها

جنود من الجيش الأوكرانيالمصدر: (أ ب)

لم تعد قصص الفرار الفردية داخل الجيش الأوكراني مجرد حالات معزولة، بل تحولت إلى ظاهرة تكشف عمق أزمة الثقة بين الجنود وقيادتهم في كييف، حيث اعترف القائد السابق للواء 155، دميتري ريومشين، - الملاحق قضائياً بتهم مرتبطة بعملية هروب جماعي - بأن السبب الأبرز وراء موجة الفرار هو انعدام الثقة في القيادة العسكرية والسياسية، وعلى رأسها القائد العام ألكسندر سيرسكي.

وأشار ريومشين، إلى أن غياب العقوبات الفعلية على المتخلفين عن الخدمة، وعدم تحديد مدد واضحة للتجنيد تحت الأحكام العرفية، ساعدا على تفاقم الأزمة، فضلاً عن تجنيد أشخاص حاولوا سابقاً التهرب من الجيش أو يفتقرون لأي حافز قتالي.

وكشف ريومشين أن جنوده الذين أُرسلوا للتدريب في فرنسا كانوا يعتقدون أن عودتهم ستعني الدفع بهم مباشرة إلى الخطوط الأمامية من دون استعداد حقيقي، وهو ما حدث بالفعل، إذ أعيدوا إلى الجبهة من دون وجود قيادة ميدانية أو هيئة أركان تُدير عملياتهم. 

القضية لم تقف عند حدود التصريحات، فجهاز الأمن الأوكراني أعلن في يناير الماضي عن اعتقال ريومشين نفسه، متهماً إياه بإخفاء وقائع الفرار الجماعي وسوء أداء وحدته.

وبالتوازي مع هذه التصريحات، كشفت صحيفة "ميدي ليبر" الفرنسية أن نحو 1700 جندي من أصل 2300 تلقوا تدريبات في فرنسا اختفوا أو فروا بعد إرسالهم إلى الجبهات، في واحدة من أكبر عمليات الهروب التي تم رصدها منذ بداية الحرب.

أرقام وكارثة 

ووفق ما كشفه الصحفي الأوكراني فلاديمير بويكو، تعكس الأرقام حجم الكارثة، قائلا: أكثر من 143 ألف حالة فرار سجلت خلال الأشهر الـ 8 الأولى من عام 2025 فقط، وتجاوز العدد الإجمالي منذ فبراير 2022 أكثر من 265 ألف حالة.

ومن جانبها، أكدت النائبة الأوكرانية، آنا سكوروخود أن كثيراً من العسكريين الذين يُرسَلون للتدريب في الخارج يختارون ببساطة عدم العودة، لأنهم لا يريدون المشاركة في الأعمال القتالية.

أمام هذه التطورات، يبدو أن الجيش الأوكراني يواجه أزمة غير مسبوقة لا تتعلق بالسلاح أو العتاد، بل بمعنويات جنوده وثقتهم في قيادتهم، ويبقى السؤال الأبرز، هل يتحول "الفرار الجماعي" إلى عنوان المرحلة المقبلة، ومدى قدرة كييف في احتواء انهيار المعنويات قبل أن يفقد جيشها تماسكه بالكامل؟.

ويرى الخبراء أن طول أمد الحرب وانهيار الثقة في القيادة الأوكرانية باتا ينعكسان بشكل مباشر على معنويات الجنود، خاصة وأن موجة الفرار التي تشهدها بعض الجبهات ليست مجرد حالات فردية بل مؤشر على أزمة أعمق تتعلق بفقدان الإيمان بجدوى القتال، خاصة مع الخسائر الكبيرة وتراجع قدرات التدريب والإعداد.

وأضاف الخبراء أن استمرار الحرب بلا أفق واضح يضاعف من الضغوط النفسية والميدانية على المقاتلين والمدنيين على حد سواء، وأن هذه الظروف دفعت بعض الجنود إلى محاولة الهروب أو الاستسلام للجانب الروسي كوسيلة للبقاء، وهو ما يعكس تحول الأزمة من مجرد إنهاك في الجبهات إلى أزمة ثقة شاملة تهدد تماسك الجيش الأوكراني.

حرب شاملة وقاسية

ويرى إيفان يواس، مستشار مركز السياسات الخارجية الأوكراني، أن الحرب التي تخوضها أوكرانيا ضد روسيا منذ أكثر من 3 سنوات ونصف تُعد حربًا شاملة وقاسية بكل المقاييس، وأن طول أمد الصراع بدأ يُلقي بظلاله على الجنود والمدنيين على حد سواء.

وأشار يواس في تصريحاته لـ"إرم نيوز" إلى أن بعض المقاتلين يشعرون بالإرهاق، وقد ينسحب البعض من خطوط المواجهة، مؤكداً أن هذا أمر طبيعي في سياق حرب طويلة ومعقدة، لكنه لا يمثل توجهًا عامًا ولا يُعد ظاهرة واسعة الانتشار. 

وأضاف مستشار مركز السياسات الخارجية الأوكراني، أن بعض الجهات تحاول تصوير هذه الحالات الفردية على أنها دليل على تراجع المعنويات أو على وجود أزمة داخل الجيش الأوكراني، إلا أن الواقع يُظهر أن خطوط الجبهة لا تزال مستقرة كما كانت خلال الأشهر الماضية.

وأوضح يواس أن روسيا، وعلى الرغم من بعض النجاحات التي حققتها، لم تتمكن خلال الألف يوم الماضية سوى من ضم 0.7% من الأراضي الأوكرانية، وهو ما يعتبر مؤشرًا على محدودية التقدم الروسي مقارنة بالمراحل السابقة التي شهدت ضمًّا أكبر للأراضي. 

وقال إيفان يواس، إن تداول المعلومات السلبية لا يعني بالضرورة وجود أزمة ثقة في القيادة السياسية أو العسكرية الأوكرانية، بل إن الدولة لا تزال تُجري تعديلات مستمرة بهدف تحسين الأداء ورفع الكفاءة في إدارة المعركة.

تصاعد الهجمات والضغط الروسي 

من جانبه، قال سمير أيوب، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، إن الجيش الأوكراني يواجه مشاكل عديدة تتجاوز نقص الأسلحة والانهيارات الميدانية، مشيراً إلى وجود عجز كبير في أعداد الجنود على الجبهات نتيجة الخسائر الكبيرة التي تكبدها مؤخرًا، خاصة مع تصاعد الهجمات والضغط الروسي على مختلف الجبهات.

وأضاف أيوب في تصريحات لـ"إرم نيوز" أن استهداف المساكن العسكرية ومراكز التجمع في أنحاء أوكرانيا أدى إلى حالة رعب وخوف بين كثير من جنود الجيش الأوكراني، لافتًا إلى أن العديد منهم أُرسل إلى الجبهات في ظل قدرة تدريبية محدودة لا تؤهلهم لمواجهة الجيش الروسي. 

وذكر الخبير في الشؤون الروسية، أن عمليات اعتقال تُنفَّذ أحيانًا بطريقة "وحشية" في شوارع كييف والمدن الأوكرانية، وكذلك عند محاولات الهروب عند الحدود، ما يزيد شعور الناس بالخوف والرفض تجاه قيادات كييف.

ورأى أن استمرار الحرب دون مبرر واضح بالنسبة لقطاع من المجتمع الأوكراني يؤثر سلبًا على معنويات الجنود وعلى الوضع المدني، وأن استمرار الصراع يسبب خسائر بشرية ومادية جسيمة يوميًا. 

وأشار المحلل السياسي، إلى أن الهيكل السكاني في أوكرانيا يفاقم التأثير، لأن معظم العائلات تضم فردًا أو اثنين فقط في سن القتال، ما يجعل كل خسارة تؤثر بشدة على مستقبل العائلات والدولة على حد سواء.

وقال أيوب أيضاً إن ما يجري من معارك وتحركات "يُظهر أن أوكرانيا أصبحت أداة لحلف الناتو في مواجهة روسيا"، معتبراً أن تصريحات غربية ومنها ما نسب إلى الرئيس ترامب بشأن إمكانية استعادة أوكرانيا أراضيها بدعم أوروبي تؤكد لدى البعض أن الدول الغربية لا تعير اهتمامًا كافياً بمصير الشعب والجنود الأوكرانيين.

وأشار إلى حالات فرار عبر نهر الدانوب وعمليات غرق لشباب حاولوا الهروب، مضيفًا أن هناك من يفضلون الاستسلام للجانب الروسي كوسيلة للبقاء على قيد الحياة، لأن الإصرار على المواجهة قد يؤدي إلى قتلهم سواء من الطرف الروسي أو في سياق محاولات الهرب وإطلاق النار عند الحدود.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC