يسعى الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، جاهداً لتسويق "صفقة كبرى" لإنهاء الحرب في أوكرانيا قبل عيد الشكر، ذاهباً نحو استراتيجية "إغلاق سريع" لصراع معقّد منذ نحو 4 سنوات.
ووفق تحليل لصحيفة "واشنطن بوست"، فإن "اندفاع" ترامب نحو حل سريع يمثّل "سياسة واقعية مفرطة، قد تُكلف أوكرانيا سيادتها التي ضحّت بعشرات الآلاف من مواطنيها للحفاظ عليها".
يُشرف على المفاوضات مبعوث ترامب الخاص، رجل الأعمال العقاري ستيف ويتكوف، الذي يعمل وفق خطة مكوّنة من 28 نقطة، يقابله في كييف وموسكو شخصيتان "بالخلفية التجارية نفسها"، وفق وصف "واشنطن بوست".
ومن الجانب الأوكراني، هناك وزير الأمن القومي رستم عمروف، وهو مستثمر سابق في الأسهم الخاصة، أما من الجانب الروسي فهناك رئيس صندوق الاستثمار كيريل دميترييف، المتعلم في أمريكا والمقرّب من الرئيس فلاديمير بوتين.
يحاول المقترح الأمريكي محاكاة نموذج كوريا الجنوبية بعد الحرب، لكن بصيغة معكوسة تماماً، فهنا هدنة طويلة مع تنازل أوكراني عن أراضٍ، وحظر وجود قوات أجنبية على أراضيها، وتقليص جيشها بنحو الثلث، ومدة الاتفاق عشر سنوات فقط.
وتذهب "واشنطن بوست" إلى أن تلك الشروط "بعيدة كل البعد عن الضمانات الأمريكية الدائمة التي تحمي سيول منذ سبعة عقود".
وتشير الصحيفة إلى أنه في قلب ضغط إدارة ترامب تقع منطقة دونيتسك، وهي وفق وصفها باتت "ساحة القتل الجماعي التي راح ضحيتها عشرات الآلاف"، إذ يقترح الرئيس الأمريكي تحويل نحو ربع المناطق التي لا تزال كييف تسيطر عليها إلى "منطقة محايدة منزوعة السلاح".
وحذّر ترامب كييف من أنها "ستخسر تلك المناطق عسكرياً على أي حال"، وأن الأفضل إبرام الصفقة الآن، مستغلاً أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يبدو في أضعف لحظاته السياسية منذ 2019.
وبالفعل، يواجه زيلينسكي تحديات هائلة بعد فضيحة فساد ضخمة هزّت شركة إنيرجوأتوم النووية الحكومية، تبعتها اعتقالات وإقالة وزراء، فضلاً عن المنافسة الشرسة من رئيس الاستخبارات العسكرية كيريلو بودانوف والقائد السابق المحبوب فاليري زالوزني.
ويبدو أن البيت الأبيض يراهن على هذا الضعف لتمرير الصفقة قبل انهيار زيلينسكي أو تغيير سياسي مفاجئ في كييف، كما يرجّح تحليل "واشنطن بوست" الذي يشير إلى أن كييف باتت تشهد صراعاً واضحاً على السلطة.
أما المكاسب "المحدودة" المقترحة لأوكرانيا، فهي تأهيل لعضوية الاتحاد الأوروبي، ووصول تفضيلي للسوق الأوروبية، مع ضمانات أمنية مستوحاة من المادة الخامسة في الناتو، دون عضوية فعلية، إضافة إلى تمويل إعادة إعمار جزئي من الأصول الروسية المجمدة، مع احتفاظ واشنطن بنصف الأرباح بشكل مثير للدهشة.
وفي مفارقة لافتة، يشمل الاتفاق عفواً متبادلاً عن جرائم الحرب، قد ينقذ زيلينسكي من تداعيات فضائحه المحلية، في المقابل، سيخرج بوتين بمكاسب استراتيجية، من إضعاف دائم للجيش الأوكراني، ومنع انضمام كييف إلى الناتو، وتحقيق جزئي لهدفه بإبعاد أوكرانيا عن أوروبا.
ويبدو القادة الأوروبيون حذرين، وهو ما تشير إليه عبارة في تصريح لرئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر "على أوكرانيا أن تقرر مستقبلها"، لكنهم يبدون استياء من تجاوز واشنطن لهم، ويطالبون بضمانات أقوى، خصوصاً ضد الحرب الهجينة الروسية المستمرة على الناتو.