رأى خبراء أن التطورات الجارية تُظهر تعقيد المشهد الأوكراني، وتراجع الخيارات المتاحة أمام كييف، خاصة أن الخطة المنقحة التي سترسلها أوكرانيا إلى واشنطن تمثل ورقة أخيرة قد تراهن عليها القيادة الأوكرانية.
وبيّن الخبراء لـ"إرم نيوز"، أن واشنطن تمارس ضغوطًا متزايدة لدفع كييف نحو قبول تسوية تراها مجحفة، ويظل القرار النهائي مرتبطًا بموقف موسكو، ما يجعل أي مبادرة جديدة أقرب إلى محاولة سياسية لشراء الوقت وليس مسارًا فعليًا لوقف الحرب.
وسيقدّم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى واشنطن خطة سلام منقحة تتضمن 20 بندًا فقط، بعد تنسيق مباشر مع قادة فرنسا وألمانيا وبريطانيا، وذلك وفقاً لضرورة فرضتها قراءة أوكرانية لميزان القوى المتغير في واشنطن وموسكو على حد سواء وفقاً للمراقبين.
وتعد النقطة الأكثر أهمية في المسودة الأمريكية المتعلقة بتنازل أوكرانيا عن دونباس كاملة، وهذا ما ترفضه كييف بشدة، ويعتبره زيلينسكي مساراً "غير واقعي سياسيًا، وغير قانوني"، وقد ينهي مستقبله السياسي، لكن تبدو كييف عازمة على استثمار النسخة المنقحة باعتبارها ورقتها الأخيرة قبل الدخول في مرحلة قد تُعاد فيها صياغة المشهد الإستراتيجي بالكامل.
وقال الدكتور عمار قناة، مدير مركز الدراسات الإستراتيجية والتنبؤ السياسي في موسكو، إن التحركات الأخيرة على الساحة الأوكرانية تأتي في توقيت حرج للغاية، مشيرًا إلى أن المشهد بات أكبر بكثير من حدود الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
وأكد لـ"إرم نيوز"، أن العلاقة المتوترة بين أوروبا الولايات المتحدة وأوكرانيا تعكس تعقيدات تتجاوز قدرات أي طرف منفرد، لافتًا إلى أن المبادرة الأمريكية الحالية ليست جديدة، بل وُضعت نقاطها الأساسية خلال قمة سابقة، عُرضت خلالها على أوكرانيا والمنظومة الأوروبية، وتم رفضها، آنذاك، بالكامل.
وأشار الدكتور قناة إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كان ينتظر فسحة وقت لمعرفة ما يمكن أن تقدمه أوروبا لأوكرانيا، وأن النتائج على الأرض جاءت محدودة للغاية في الجغرافيا الأوكرانية.
وأوضح أن ما يقوم به زيلينسكي والمنظومة الأوروبية يبدو محاولة لتمديد أمد الصراع، في ظل غياب خيارات عملية يمكن تنفيذها ميدانيًا، مضيفًا أن الرئيس الأوكراني يواجه مأزقاً داخلياً مع فتح ملفات فساد تورط بها، إلى جانب ضغوط إقليمية تزيد الموقف تعقيدًا.
وذكر الدكتور قناة أن "الخطة الحالية، رغم تعديلاتها، تبدو أقرب إلى مناورة سياسية، ولا يتوقع أن تُحدث فارقاً حقيقياً في المسار المتعثر للحرب، وأن العمليات العسكرية مستمرة بلا توقف".
ونوَّه إلى أن ترامب بدأ استخدام أدوات ضغط على كييف لدفعها لقبول المبادرة التي تعتبرها اجحافاً، مشيرًا إلى أثمان يجب دفعها مقابل أخطاء السنوات الثلاث والنصف الماضية، وإلى معوقات داخلية في أوروبا وأمريكا تعرقل التقارب بين واشنطن ومختلف أطراف الصراع.
من جانبه، أكد الدبلوماسي الأوكراني السابق فولوديمير شوماكوف، أن الخطة المعدلة التي سيطرحها زيلينسكي، وخطة ترامب الأصلية، والخطط الأوروبية، ليست سوى "رقصات دبلوماسية".
وأشار لـ"إرم نيوز"، إلى أنه لا زيلينسكي ولا ترامب يملكان القرار النهائي بشأن إنهاء الحرب، وأن مفتاح الحسم بيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وبيّن شوماكوف أن تصريحات ترامب تكشف انحيازًا واضحًا لصالح روسيا وولاءً لبوتين، وهو ما يدفع لمحاولة إجبار زيلينسكي على تقديم تنازلات تُعد استسلام لأوكرانيا.
وأكد أن ترامب يرفع شعار السلام، لكنه لا يحمي مصالح كييف فعليًا، لافتًا إلى أن هدفه الأساس يتمثل في عقد صفقات تجارية مربحة مع موسكو، وأن إصرار أوكرانيا على الدفاع عن نفسها يبدو مزعجاً له.
وأوضح شوماكوف أن ترامب يتهم كييف وأوروبا بعدم السعي للسلام، واصفًا هذه الرواية بأنها شعبوية وغير دقيقة، مشيرًا إلى أن الحقائق واضحة وهي أن أوروبا لم تهاجم أوكرانيا، بل روسيا هي الطرف المعتدي، مشيرًا إلى أن ترامب يخشى أو لا يرغب في اتهام بوتين، وأن محاولاته المستمرة لاسترضائه تعكس استسلامًا سياسيًا لبوتين.