في مياه بحر الصين الجنوبي الغنية بالثروات النفطية والغازية، تخوض فيتنام معركة استراتيجية لتعزيز نفوذها ضد الطموحات الصينية.
ويمثّل هذا البحر، ممراً تجارياً حيوياً عالمياً، وبات ساحة للتنافس الجيوسياسي، إذ تبني هانوي جزراً اصطناعية محصّنة لمواجهة سيطرة بكين، وفق تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال".
ويأتي هذا التحرك كرد فعل على حملات الصين السابقة، التي استولت من خلالها على مناطق متنازع عليها، مما يثير مخاوف إقليمية ودولية.
ووفقاً لصور الأقمار الصناعية وتحليلات الخبراء، تحوّلت صخور نائية وشعاب مرجانية إلى قواعد عسكرية متقدمة، مما يعزز الوجود الفيتنامي في جزر سبراتلي، الأرخبيل الذي تتقاطع فيه مطالبات عدة دول مثل تايوان والفلبين وماليزيا وبروناي.
وبدأت فيتنام حملتها لبناء الجزر الاصطناعية على نطاق واسع في 2021، مستخدمة زوارق تجريف عملاقة لاستخراج الرمال والمرجان والصخور من قاع البحر. وأدّت هذه العملية إلى إنشاء أراضٍ جديدة على جميع الـ21 موقعاً الذي تحتلها في سبراتلي، بما في ذلك ارتفاعات المد المنخفض التي كانت مغمورة سابقاً.
وبحلول مارس/ آذار الماضي، بلغت مساحة الأراضي الاصطناعية التي شيّدتها فيتنام أكثر من 2200 فدان، مقارنة بنحو 4000 للصين، وفقا لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن.
وهذه الجزر ليست مجرد أراضٍ مكدسة، بل إنها محصنة بموانئ متعددة، ومهابط طائرات طويلة تصل إلى ميلين لاستيعاب الطائرات العسكرية الكبيرة، ومخازن ذخيرة هائلة، وخنادق دفاعية مجهزة للأسلحة الثقيلة.
ويُعتبر هذا السباق الجزيري رداً مباشراً على استراتيجية الصين، التي بنت سبع جزر اصطناعية مشابهة في المنطقة نفسها، ففي السبعينيات والثمانينيات، استولت الصين بالقوة على معالم في سبراتلي وباراسيل، مما أسفر عن مقتل عشرات الجنود الفيتناميين.
أما في 2012، فقد سيطرت على جزر سكاربورو من الفلبين، مما دفع فيتنام إلى تعزيز دفاعاتها خوفاً من هجوم مشابه، كما ضغطت بكين على هانوي لوقف التنقيب عن النفط والغاز في المياه المتنازع عليها، وحرمت الصيادين الفيتناميين من الوصول إلى باراسيل.
ودفعت هذه الضغوط فيتنام إلى تسريع بنائها، مستخدمة حفارات أرضية لتوسيع الشواطئ وتعزيزها بجدران صخرية وخرسانية لمقاومة التآكل. ومثال بارز على هذا التحول هو جزيرة ساند كاي، التي تطوّرت من موقع صغير إلى قاعدة واسعة النطاق تضم ميناء محصّناً وبنية تحتية عسكرية متقدمة.
أما جزيرة بارك كندا، الأكبر والأكثر تطوراً، فتضمّ مرافق رئيسية مثل الموانئ ومخازن الذخيرة والثكنات، وهي نموذج يتكرر في الجزر الأخرى، إذ تستغل فيتنام هذه المواقع لنشر سفنها وطائراتها لفترات أطول دون الحاجة إلى العودة إلى البر الرئيسي، مشابهاً لاستراتيجية الصين التي وضعت رادارات مراقبة واسعة النطاق.
لكن وفق هاريسون بريتات، نائب مدير مبادرة الشفافية البحرية في آسيا، فإن فيتنام لا تسعى للاعتداء على الآخرين، بل لتعزيز دفاعها، وهو ما يتوافق مع تصريحات علنية لمسؤولين في هانوي.
وبينما عبّرت الصين، عن معارضتها لـ"أنشطة البناء غير القانونية"، فإنها لم تمنع الجرافات الفيتنامية، ويفسر كانغ فو، الباحث في كلية بوسطن، هذا الاختلاف بعلاقات فيتنام المتشابكة "اقتصادياً" مع بكين.
أما الولايات المتحدة، التي أدانت بناء الصين، فلم تعارض جهود فيتنام علناً، معتبرة إياها حاجزاً ضدّ بكين، كما يقول لي هونغ هييب من معهد دراسات جنوب شرق آسيا في سنغافورة.