بدا أن هناك شبه إجماع غربي لفكرة تجميد قتال خطوط المواجهة الحالية بين موسكو وكييف، فبعد أن أعرب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن تأييده لها، انضم إليه في هذا الدعم قادة أوروبيون بارزون.
وفيما يشبه الإجماع، أعرب المستشار الألماني فريدريش ميرتس، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين على دعمهم للفكرة التي سبق وأن طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وكان ترامب دعا أكثر من مرة إلى اعتبار خط التماس الحالي نقطة انطلاق للمفاوضات، وأكده أخيرًا القادة الأوروبيون بالتزامهم بمبدأ عدم تغيير الحدود الدولية بالقوة، ما يشير إلى محاولة لتوفيق بين السلام المؤقت والمبادئ الدولية، وفق تقرير لموقع "ناشيونال جورنال سكيورتي".
ويأتي هذا الدعم في ظل جمود عسكري يسيطر على ساحة المعركة، حيث تعثر الهجوم الروسي الخريفي ولم يحقق سوى مكاسب ضئيلة بتكلفة باهظة في الأرواح والعتاد. رغم تكيف موسكو مع تكتيكاتها، مثل كثافة هجمات المجموعات الصغيرة تحت مراقبة الطائرات المسيرة، واستخدام القنابل الانزلاقية لتسوية النقاط الحصينة، إلا أن هذه الابتكارات لم تؤدِ إلى اختراق حاسم.
وترجح تقارير أن يكون "التجميد المحصّن" خيارًا "اضطراريًا" لروسيا، خصوصًا مع التقدم البطيء الذي تحرزه على جبهات القتال منذ أشهر، مقابل "تكيّف" أوكرانيا مع طبيعة الحرب الاستنزافية، مستخدمة أنظمة الدفاع العميق والروبوتات للإمداد، والإخلاء، والاختراق.
وأصبحت أجهزة الاستشعار، والتشويش، والذخائر المتسكعة، والإصلاح السريع أدوات أساسية، ما يمنح كييف قدرة أفضل على الصمود، كما أن الضربات الأوكرانية في عمق روسيا، مثل استهداف مصافي النفط والمستودعات ومحطات الطاقة، تضيق الخناق على القدرة الروسية على التقدم، رغم الردود الروسية على شبكة الكهرباء الأوكرانية.
ووفق التقرير، فإن هذا التبادل يعكس توازنًا حيث يتحمل الجانبان الألم، لكن الأثر الصافي يميل نحو تعويض الضرر بدلًا من تحقيق ميزة استراتيجية، إذ تشكل المدفعية جوهر المنافسة، حيث تحول نقص القذائف في أوكرانيا من كارثة إلى مشكلة مزمنة، مع توسع الإنتاج الأوروبي والأمريكي وزيادة الإنتاج المحلي في كييف.
على الجانب الروسي، يعاني الإنتاج من مشكلات في الجودة وتوترات العقوبات، ما يمنع توليد فائض يسمح بهجمات كاسحة. وهذه الحسابات تشير إلى جبهة تفضل الصمود على التقدم السريع، ما يجعل فكرة التجميد المحصن أكثر جاذبية كوسيلة لإنهاء الحرب دون هزيمة كاملة لأي طرف.
ومع ذلك، يثير التجميد انتقادات غربية، إذ يُرى كمكافأة لروسيا وقد يدعو إلى هجوم ثانٍ، لكن المؤيدين يؤكدون أن وقف إطلاق نار دائم، مدعومًا بضمانات أمنية قوية، يمنح أوكرانيا الوقت لإعادة التسلح وتعزيز الدفاعات، إذ يتطلب ذلك مناطق فض اشتباك خاضعة للمراقبة، وقيودًا على أنظمة الضربات، وقنوات تفتيش دائمة، وعقوبات آلية على الانتهاكات.
الأهم هو بناء ردع مدمج، مثل دفاعات جوية متكاملة، ومسارات تجديد تصمد أمام التقلبات السياسية، ودورات تدريب مستمرة، وقاعدة صناعية تنمو باستقلالية.
ومن منظور موسكو، يمثل قبول التجميد اعترافًا بفشل "العملية العسكرية الخاصة" في تحقيق أهدافها السياسية، مقابل بديل نزيف طويل الأمد يرهق الاقتصاد والجيش. أما بالنسبة لأوكرانيا، فالهدنة لا تحقق العدالة الكاملة، لكنها توفر وقتًا لبناء مخازن الذخيرة، وتوسيع الدفاع الجوي، وتحصين البنية التحتية.
في حرب يتفوق فيها الدفاع على الهجوم، يصبح الوقت استراتيجية بحد ذاتها، إذ تشير الإشارات السياسية إلى إمكانية الحوار، حيث تختبر موسكو الدبلوماسية القسرية، بينما ترفض كييف التنازلات الإقليمية وتطالب بضمانات أمنية وتصاريح ضربات بعيدة المدى.
العواصم الغربية تمارس لعبة "التوقف عند الخط الحالي ثم التفاوض"، مع التركيز على التحقق والعقوبات لجعل التوقف قابلًا للتنفيذ، والدرس من الاتفاقات السابقة هو أن الوثيقة دون تطبيق تحفز على الإساءة، لذا يجب أن يكون الردع والعواقب الترياق.