كشفت مجلة "نيوزويك" أنه عندما طرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطته للسلام في غزة خلال مؤتمر صحفي في أواخر سبتمبر/أيلول، شكر عددًا كبيرًا من الحلفاء والمستشارين الأمريكيين على جهودهم لإنهاء الحرب المستمرة منذ عامين بين إسرائيل وحركة حماس.
وفي حضور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خصّ ترامب مبعوثه إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف وصهره جاريد كوشنر بالثناء، مشيدًا بدورهما وراء الكواليس في تطوير خطة يمكن أن تحظى بموافقة إسرائيل.
وأفادت المجلة أن ويتكوف وكوشنر لعبا دورًا أساسيًا في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار الذي أعلنه ترامب يوم الأربعاء، وذلك بعد تسعة أيام فقط من زيارة نتنياهو للبيت الأبيض.
وبحسب المجلة، قدّم المستثمران، تنازلات مهمة لنتنياهو بشأن مستقبل غزة بعد الحرب، في محاولة لكسب دعمه، وفقًا لعدة مصادر مطلعة على سير المفاوضات.
تضمنت هذه التنازلات تعديلًا في صياغة فكرة الدولة الفلسطينية التي كانت مطروحة ضمن خطط السلام السابقة التي قدمتها دول عربية في وقت سابق من العام، إذ قال مصدر مطلع على المفاوضات لمجلة نيوزويك: "نتنياهو لم يكن مستعدًا لقبول تلك البنود كما كانت".
تضمنت خطة السلام، المكونة من عشرين بندًا والتي وافقت عليها كل من إسرائيل وحماس في النهاية، فقرة ختامية تشير إلى أنه مع وقف الأعمال العدائية في غزة، "قد تكون الظروف مهيأة أخيرًا لمسار موثوق نحو تقرير المصير الفلسطيني وإقامة الدولة".
وأشار محللون إلى أن هذه الصياغة جاءت أكثر غموضًا مقارنة بالدعوة الواضحة إلى حل الدولتين التي تضمنها اقتراح السلام الذي قدمته السعودية وفرنسا في يوليو/تموز الماضي.
وقد مهدت تلك المبادرة، المعروفة بـ"إعلان نيويورك"، الطريق أمام إدارة ترامب لطرح مقترحها الجديد على حلفائها على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الشهر الماضي، قبل أن يُعلن ترامب خطته رسميًا إلى جانب نتنياهو في البيت الأبيض.
سعى ويتكوف وكوشنر أيضًا إلى إدراج بعض التنازلات الموجهة للفلسطينيين ضمن الخطة النهائية، بحسب مصدر ثانٍ مطلع على سير المفاوضات، الذي أوضح أنهما عملا على "الحفاظ على صياغة تراعي بعض الأولويات الفلسطينية".
وتنص الخطة على أن "لن يُجبر أحد على مغادرة غزة"، وهو ما يُعد تحوّلًا عن اقتراحات ترامب السابقة التي تضمنت احتمال إعادة توطين سكان غزة في دول مجاورة بعد الحرب، وهي تصريحات أثارت غضب الحلفاء العرب الذين كانوا يشاركون في جهود الوساطة بين إسرائيل وحماس.
وقال جيمس زغبي، مؤسس المعهد العربي الأمريكي للمجلة: "وافق العرب على الصفقة النهائية لأنهم يعتقدون أنها ستوقف القتل وستسمح بإدخال المساعدات إلى غزة".
وفي المقابل، اعتبر محللون أن ترامب نفسه يستحق الفضل الأكبر في تغيير نهجه والضغط المباشر على إسرائيل للموافقة على اتفاق وقف إطلاق النار.
وقال مايكل حنا، مدير برنامج الولايات المتحدة في مجموعة الأزمات الدولية: "في نهاية المطاف، لم يكن ليتم التوصل إلى هذه الصفقة لولا ضغوط دونالد ترامب على إسرائيل، وبشكل خاص على بنيامين نتنياهو".
في الوقت الراهن، تتركز جهود إسرائيل وحماس على تنفيذ المرحلة الأولى من خطة ترامب، رغم ورود تقارير عن استمرار الغارات الجوية الإسرائيلية على غزة حتى مساء الخميس بالتوقيت المحلي.
وترتكز الخطة المتفق عليها على وقف إطلاق النار، يتضمن إطلاق سراح جميع الأسرى المتبقين في غزة وانسحابًا أوليًا للقوات الإسرائيلية من أجزاء من القطاع الساحلي.
وقد صرح ترامب يوم الخميس بأن الرهائن المتبقين قد يُفرج عنهم مطلع الأسبوع المقبل، وأشار إلى إمكانية سفره إلى الشرق الأوسط خلال الأيام القادمة لحضور مراسم إحياء ذكرى اتفاق وقف إطلاق النار.
لكن مع بدء تنفيذ الاتفاق، يرى مراقبون أن المفاوضات تركت وراءها أسئلة جوهرية دون إجابات، ما قد يجعل تحقيق سلام دائم أمرًا معقدًا.
وتشمل تلك التساؤلات مستقبل إدارة غزة بعد الحرب، وما إذا كانت حماس ستنزع سلاحها بالكامل، وكذلك مصير الضفة الغربية الخاضعة للاحتلال الإسرائيلي، وهي قضية لم تتناولها خطة السلام النهائية على الإطلاق.
وقال زغبي: "اتفاق وقف إطلاق النار في جوهره إعلان نوايا بين إسرائيل وحماس لإنهاء القتال، لكنه يتضمن ثغرات وشروطًا غير محددة وآليات تنفيذ غامضة".
وأضاف مايكل حنا أن تنفيذ خطة السلام الأمريكية يتطلب متابعة دائمة من ترامب ومستشاريه الذين ساهموا في التوصل إلى الاتفاق، مشيرًا إلى أن "السبيل الوحيد لتحقيقها هو أن يُركز ترامب ومساعدوه المقربون جهودهم بالكامل على هذه القضية، وأن يستخدموا نفوذهم لدفع العملية قدمًا؛ وهي مهمة صعبة، لكنها السبيل الوحيد المتاح".