وسط حرب "روسية - أوكرانية" لا تتوقف ، تلوح مبادرة إنسانية غير مسبوقة من قلب الفاتيكان، إذ يستعد البابا الجديد، ليو الرابع عشر، لخوض أول اختبار دبلوماسي عبر عرضه استضافة محادثات سلام بين موسكو وكييف، ما يمثل أملًا جديدًا لإنهاء الصراع الأكثر دموية في القارة منذ الحرب العالمية الثانية.
الخطوة البابوية جاءت بعد مكالمة هاتفية أجراها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، أعلن بعدها ترامب أن البابا عرض استضافة المحادثات، قائلًا: "أعتقد أنه سيكون من الرائع عقدها في الفاتيكان، أعتقد أن ذلك قد يخفف من حدة هذا الغضب".
وأكدت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، أنها تواصلت مع البابا ليو بناء على طلب ترامب، وأن الفاتيكان مستعد لاستضافة اللقاءات.
ووصفت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، المبادرة بـ"الاختبار المبكر" لبابا الفاتيكان الجديد، خاصة أنه اتخذ منذ بداية حبريته موقفًا أكثر وضوحًا لصالح أوكرانيا مقارنة بسلفه، وإذا ما نجحت هذه الوساطة، فقد تُعيد رسم ملامح دور الفاتيكان في السياسة الدولية، وتحوله إلى "سويسرا مقدسة"، كما كان في ثمانينيات القرن الماضي عندما نجح في نزع فتيل الحرب بين الأرجنتين وتشيلي.
ويُذكر أن البابا ليو أعلن خلال لقائه مع ممثلي الكنائس الشرقية أن "الكرسي الرسولي متاح حتى يتمكن الأعداء من الالتقاء والنظر في أعين بعضهم بعضًا"، في إشارة إلى استعداده لتوفير منصة حوار إنساني يتجاوز الحسابات العسكرية.
في هذا السياق، يرى الخبراء أن تدخل بابا الفاتيكان الجديد في الحرب الروسية الأوكرانية يُعد سابقة دبلوماسية ذات طابع ديني وإنساني، قد تحمل أبعادًا استراتيجية في ظل تعثر المسارات السياسية التقليدية.
وقال محمود الأفندي، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، إن طرح الفاتيكان لمبادرة للوساطة يُعد بادرة جيدة، لا سيما إذا اتخذت المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا طابعًا دينيًا أو إنسانيًا إلى حد ما.
تحديات بابوية
وأضاف الأفندي لـ"إرم نيوز"، أن هناك بعض الإشكالات التي قد تعترض هذا الطرح، أولها ما يتعلق بالعلاقات المتوترة بين روسيا والاتحاد الأوروبي، خاصة أن بعض دول الاتحاد تطالب بمحاكمة روسيا دوليًا، في وقت ترتبط فيه الفاتيكان باتفاقات مع هذا الاتحاد، ما يثير تساؤلات حول كيفية انتقال الوفد الروسي إلى الفاتيكان وسط هذه التحديات.
وأشار إلى وجود معضلة جيوسياسية في تنقل الوفد الروسي من إسطنبول إلى أوروبا، متسائلًا: "هل يمكن للفاتيكان أن يُجبر الاتحاد الأوروبي على فتح مجاله الجوي والسماح للطائرات الروسية بالهبوط؟ أشك في ذلك".
وتابع الخبير في الشؤون الروسية أن "جميع هذه الأمور تمثل عقبات لوجستية قد تعرقل المبادرة التي تقدم بها الفاتيكان".
وفيما يتعلق بإمكانية نجاح الوساطة، أوضح الأفندي أن الفاتيكان يعد دولة دينية وليست سياسية، وبالتالي فإن وساطته تُوفر أرضية إنسانية فقط، قائلًا: "هي أشبه بجدران كنيسة، بينما الأزمة الروسية الأوكرانية لا تحتاج إلى وساطة بقدر ما تحتاج إلى نتيجة حتمية ونهائية؛ إذ هناك طرف متقدم هو روسيا، وآخر متراجع هو أوكرانيا" وفق تعبيره.
ومن جانبه، قال إبراهيم كابان، مدير شبكة الجيوستراتيجي للدراسات، إن تدخل الفاتيكان في القضايا الدولية قد يؤتي ثماره، وهو تدخل ديني غير تقليدي، إذ أن البابا لا يعتاد الخوض في مثل هذه الملفات السياسية المعقدة.
وأضاف كابان لـ"إرم نيوز"، أن دخول البابا على خط الوساطة بين روسيا وأوكرانيا قد يحمل أبعادًا إيجابية ودوافع بناءة، موضحًا أن الطرفين لا ينظران إلى هذا الصراع من زاوية دينية، لكن كليهما يستخدمان الكنيسة الأرثوذكسية لخدمة مصالحه الخاصة.
وأشار مدير شبكة الجيوستراتيجي للدراسات، إلى أن تدخل الفاتيكان قد يسهم في تحريك الأزمة، واصفًا الحرب الروسية الأوكرانية بأنها من أعقد الحروب التي شهدها القرن الحادي والعشرون، في ظل انعدام أي أفق للتوافق بين الطرفين، في الوقت الذي يسعى أحدهما إلى أوكرانيا خالية من النفوذ الروسي، يعمل الآخر على تثبيت سيطرته على القرم وأربع ولايات أخرى.
وتابع: "لا أعتقد أن الولايات المتحدة أو أوروبا قادرتان على إقناع الطرفين، فالطرح الأمريكي يتجه نحو منح روسيا حصة في كييف، بينما يدفع الطرح الأوروبي نحو دمج أوكرانيا بالكامل في المنظومة الأوروبية".
وأشار كابان إلى أنه لهذا السبب، فإن التدخل الديني، خصوصًا من الفاتيكان، قد يكون ذا جدوى، حتى وإن لم تستجب له القيادة الروسية أو الأوكرانية بشكل مباشر، لكنه يشكّل ضغطًا موازيًا للضغوط الأمريكية والأوروبية.