تسعى أوكرانيا لإعادة بناء سلاحها الجوي من الصفر بعد ما يقرب من 4 سنوات من الحرب الروسية التي كشفت هشاشة قدراتها الدفاعية الجوية.
ووفقًا لرؤية "القوات الجوية الأوكرانية 2035"، تعمل كييف على إنشاء قوة حديثة مؤلفة من أكثر من 250 طائرة مقاتلة متعددة المهام من طرازات غربية، تشمل السويدية "جريبن إي"، والفرنسية "رافال"، والأمريكية "إف-16"، في خطوة تُعدّ الأضخم في تاريخ البلاد العسكري الحديث.
من الهشاشة إلى الطموح
عند اندلاع الحرب في فبراير 2022، لم تكن لدى أوكرانيا سوى نحو 98 طائرة مقاتلة من الطرازات السوفيتية القديمة، كان نصفها فقط في الخدمة الفعلية، بحسب تقرير FlightGlobal لعام 2022.
هذا الضعف الجوي شجّع موسكو على شن غزوها الواسع، مع افتراض تحقيق التفوق الجوي خلال أيام. لكن الدفاعات الأوكرانية الأرضية حالت دون ذلك، وأثبتت أن سلاح الجو الحديث عنصر حاسم لا يمكن تعويضه بالمدفعية والصواريخ فحسب.
ومن هذا الدرس القاسي، صاغت كييف رؤيتها الجديدة: بناء سلاح جو متطور قادر على الدفاع والهجوم، وتأمين تفوق استراتيجي طويل الأمد.
اتفاقيات استراتيجية
في صلب هذه الرؤية، يقف الاتفاق المبدئي بين أوكرانيا والسويد لتوريد ما يصل إلى 150 طائرة “جريبن إي”، وهي صفقة تاريخية ستجعل أوكرانيا أكبر مشغّل للطائرة في العالم إذا اكتملت.
كما تشمل المفاوضات إنشاء مصنع محلي لتجميع الطائرات، ما يمنح كييف استقلالًا جزئيًا في الصيانة والإنتاج بحلول عام 2035.
الرئيس فولوديمير زيلينسكي وصف الاتفاق بأنه "تحوّل استراتيجي"، مشيرًا إلى أن طائرة "جريبن" توفر مزيجًا من الكفاءة القتالية وتكاليف التشغيل المنخفضة، ويمكنها الإقلاع والهبوط على الطرق السريعة — ميزة حيوية في حال تدمير القواعد الجوية.
ثلاث جبهات تفاوض متزامنة
وتجري كييف مفاوضات متوازية مع السويد وفرنسا والولايات المتحدة؛ فقد حصلت بالفعل على نحو 50 طائرة إف-16 من أصل 80 وعد بها تحالف الناتو، وتعمل على دمجها في منظومة الدفاع الجوي.
وفي المقابل، تُجري مفاوضات متقدمة مع باريس للحصول على مقاتلات "رافال" الحديثة بعد أن تلقت طائرات "ميراج 2000-5" ضمن حزمة دعم عسكري.
طائرات "رافال" تتميز بقدرتها على حمل صواريخ "ميتيور" الجو–جو بعيدة المدى، ما يعزز قدرة أوكرانيا على مواجهة الطيران الروسي في العمق. لكن عقبة التسليم تبقى قائمة، إذ تواجه شركة "داسو" الفرنسية طلبات متراكمة تتجاوز 230 طائرة، ما قد يؤخر حصول كييف على حصتها لسنوات ما لم تُمنح أولوية سياسية من باريس.
وتوضح رؤية أوكرانيا 2035 أن الحرب لم تغيّر فقط تكتيكاتها الدفاعية، بل فلسفتها الأمنية بالكامل. فحتى في حال التوصل إلى وقف إطلاق نار أو تسوية مستقبلية، تدرك كييف أن امتلاك قوة جوية متقدمة هو الضمان الحقيقي لسيادتها واستقلالها.
من "ميغ" السوفيتية إلى "رافال" الغربية، تمثل خطة التحديث تحولًا استراتيجيًا في بنية القوة الأوكرانية، ورسالة واضحة إلى موسكو والعالم بأن أوكرانيا لا تراهن على الهدوء المؤقت، بل تبني قوة جوية تضمن توازن الردع لعقود قادمة.