مقتل 5 جنود بتفجير انتحاري في شمال شرق نيجيريا
في مشهد بدا أقرب إلى استعراض قوة، منه إلى مجرد حدث عسكري تقليدي، أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن إطلاق الغواصة النووية "خاباروفسك" من حوض بناء السفن في مدينة سيفيرودفينسك، إيذانًا بمرحلة جديدة في سباق الردع البحري بين موسكو والغرب.
الغواصة التي تُوصف بأنها "سلاح الظل" الروسي، لا تُعد مجرد إضافة إلى الأسطول النووي، بل رسالة إستراتيجية تقول إن معادلة الردع لم تعد في السماء أو على اليابسة فقط، بل تمتد، اليوم، إلى أعماق المحيطات.
ويرى خبراء أن إطلاق الغواصة النووية "خاباروفسك" يشير إلى دخول روسيا مرحلة جديدة في سباق التسلح البحري، بعدما طورت غواصة قادرة على حمل طرادات "بوسيدون" النووية، التي تفوق قوتها قنبلة هيروشيما بأضعاف، ما يمنح موسكو قدرة إستراتيجية هائلة على المناورة، وتنفيذ ضربات من البحر.
وكشف الخبراء، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن هذا التطور يمثل رسالة ردع قوية موجهة إلى الغرب، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، ويعكس تصاعد المنافسة على تعزيز "الثالوث النووي" الروسي في البر، والبحر، والجو.
وأضاف الخبراء أن الغواصة "خاباروفسك" قد تُعيد تشكيل ميزان القوى البحرية، وتدفع العالم إلى سباق نووي جديد تحت الماء، في ظل ضعف الاقتصاد الغربي، وارتفاع تكاليف إنتاج السلاح مقارنة بروسيا.
وأشار الخبراء إلى أن هذا التصعيد يُستخدم كورقة ضغط في الصراع مع الغرب، لكنه، في الوقت ذاته، يفرض ضغوطًا اقتصادية متزايدة على جميع الأطراف، ما قد يجعل التسويات السياسية خيارًا واقعيًا لتفادي انزلاق العالم إلى مواجهة نووية غير محسوبة.
وبهذا السياق، قال مدير مركز "GSM" للأبحاث والدراسات في روسيا، د.آصف ملحم، إن الغواصة النووية "خاباروفسك" قادرة على حمل 6 طرادات نووية من نوع "بوسيدون"، تبلغ قوة كل واحدة منها أكثر من 150 ضعف قوة قنبلة هيروشيما، ما يجعل مداها وقدرتها التدميرية كافيين للوصول إلى مناطق، مثل: تركيا، واليابان.
وأكد ملحم، في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن هذا التطور يُعدّ خبرًا سيئًا للدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن التصريحات الإعلامية الصادرة عن الجانب الأمريكي بشأن "عدم أهمية هذه التجارب"، لا تعبّر عن حقيقة التطورات الروسية.
وأضاف أن الغواصة "خاباروفسك" صُممت خصيصًا للعمل في المحيط الهادئ، وأن هناك غواصة مماثلة صُنعت، العام 2019، تُعرف باسم "بيلغورود"، ستعمل في بحر الشمال.
وأوضح ملحم أن روسيا تخطط لإنتاج 4 غواصات من نوع "خاباروفسك"، معتبرًا أنها ستشكّل أسطورة إستراتيجية لروسيا، وتُكمل فكرة "الثالوث النووي" المنتشر في البر والبحر والجو، ما يمنح موسكو قدرة أكبر على المناورة، وإيصال حوامل الأسلحة النووية سواء كانت جوية أو برية أو بحرية إلى الأهداف المطلوبة.
وأشار إلى أن روسيا باتت تمتلك القدرة على تنفيذ ضربة نووية عبر المياه، موضحًا أن أساليب الإطلاق تطورت من الاعتماد على الطائرات في السابق إلى استخدام منصات بحرية حديثة، مثل: "خاباروفسك"، وطرادات "بوسيدون".
ولفت ملحم إلى أن الولايات المتحدة وجّهت تحذيرات إلى عدد من الدول الأوروبية بشأن خطورة هذه الأسلحة النووية الجديدة.
وأوضح أن روسيا لم تجهز بعد صواريخ "بوريفستنيك" وطرادات "بوسيدون" برؤوس نووية جاهزة للإطلاق، لكنها تُصنفها كأسلحة قابلة للتسليح في أي لحظة، وهو ما يشكل تهديدًا محتملًا بالغ الخطورة.
وأكد ملحم أن التفوق النووي الروسي على الدول الغربية يمنح موسكو ورقة ضغط قوية في صراعها داخل أوكرانيا، وفي إعادة صياغة علاقاتها الدولية مع الغرب.
من جانبه، قال الخبير العسكري، العميد نضال زهوي، إنه في ظل التصعيد العسكري الراهن، وإظهار روسيا لقدراتها النووية والباليستية، يُطرحُ تساؤل محوري في الأوساط الإستراتيجية: بعد أن هُزم الاتحاد السوفيتي في حرب الفضاء، هل سيُهزم حلف الناتو في الحرب البحرية؟
وأشار زهوي، في تصريح لـ"إرم نيوز"، إلى أن هناك محددات واضحة تحكم سباق التسلح القائم، حاليًا، بين الولايات المتحدة والغرب من جهة، وروسيا من جهة أخرى.
وتابع: "على الرغم من معاناة روسيا من ضعف نسبي في القدرات البشرية، إلا أن الجهة المسؤولة عن تصنيع الأسلحة هي الدولة الروسية ذاتها، وليست الشركات الخاصة كما هو الحال في الغرب، ففي الولايات المتحدة، يعتمد مجمع الصناعات الحربية على شركات خاصة تدفع ضرائب للحكومة، ما يجعل تكلفة الإنتاج أعلى بكثير مقارنة بروسيا".
وأكد زهوي أن أسعار الأسلحة في الغرب تشهد تضخمًا لافتًا، حيث تبلغ تكلفة الطلقة الواحدة في روسيا نحو 40 دولارًا فقط، فيما تصل في الولايات المتحدة إلى 2870 دولارًا، وهو فارق ضخم يعكس تضخم الأسعار، وهيمنة القطاع الخاص على الصناعات العسكرية.
وأضاف أن الغرب يعيش، حاليًا، حالة من الجمود الاقتصادي والتراجع الواضح، إلى جانب مديونية هائلة تعاني منها الولايات المتحدة، حيث تجاوزت ديونها 38 تريليون دولار.
وأوضح زهوي أن هذا الوضع المالي الصعب يجعل من الصعب على الغرب خوض سباق تسلح مكلف بالوتيرة ذاتها التي تنتهجها روسيا.
وتوقف زهوي عند الغواصة الروسية "خاباروفسك"، واصفًا إياها بأنها غواصة إستراتيجية متقدمة من فئة "أوسكار"، وربما من فئة جديدة كليًا، ومجهزة بطرادات "بوسيدون".
وأوضح أنها تختلف عن الغواصات التقليدية بقدرتها على العمل في أعماق كبيرة جدًا دون التأثر بالعواصف النووية أو التسونامي الإشعاعي، نظرًا لاعتمادها على الوقود النووي، وقدرتها على الغوص لأكثر من 1000 متر تحت سطح البحر.
وبيّن أن الدلالة الإستراتيجية لهذه الغواصة تكمن في تعزيز منظومة الردع النووي لموسكو، وليس في العمليات العسكرية الجارية حاليًا، فهي لا تستهدف تغيير ديموغرافية مناطق النزاع مثل أوكرانيا، وإنما تمثل رسالة ردع قوية تشكّل مرحلة جديدة في سباق الغواصات، الذي تتفوق فيه روسيا على الولايات المتحدة.
وأضاف زهوي أن تأثير الغواصة على سباق التسلح العالمي محتمل، لكنه محكوم بعدة محددات، موضحًا أن إعلان روسيا عن اختباراتها العسكرية سواء للغواصات أو للصواريخ الجوية والبحرية يندرج ضمن إطار "توازن الردع"، الذي تسعى موسكو إلى ترسيخه، بهدف منع حلف الناتو من التورط المباشر في معركة أوكرانيا.
وأكد زهوي أن منظومة الردع الروسية أصبحت، اليوم، "سلسلة متكاملة"، تشمل: الغواصات، والتوربيدات البحرية، وصواريخ "يوم القيامة"، والصواريخ الأرض جو والجو أرض، لتشكّل شبكة ردع ضخمة تحفظ التوازن مع الولايات المتحدة.