وسط تقارير عن احتمال عدم مشاركة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في قمة الرباعية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني في الهند، تتصاعد التساؤلات حول مصير التحالف الرباعي بين الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا.
وأشعلت تصريحات ترامب التي اعتبرت الهند "خسرت أمام الصين" المخاوف لدى النخب الاستراتيجية؛ إذ لطالما تأسس التحالف لمواجهة الهيمنة الصينية المتزايدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وفق صحيفة "يوراسيان تايمز".
وعلى الرغم من هذه التصريحات، حاولت الهند تخفيف التوتر؛ حيث أكد رئيس الوزراء ناريندرا مودي أن العلاقات بين نيودلهي وواشنطن "إيجابية للغاية"، مشيداً بالصداقة الشخصية بينه وبين ترامب، ومشيراً إلى الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين، مؤكداً أن "لا داعي للقلق".
تواجه الرباعية تحديات حقيقية بسبب سياسات ترامب الداخلية والخارجية، والتي تتعارض مع توجهات التحالف في التجارة، والصحة، والطاقة، والمناخ.
ففي الصحة، أطلقت الرباعية مبادرات مثل "Quad Cancer Moonshot" للحد من الوفيات بالسرطان، و"صندوق الأوبئة" لتعزيز الوقاية والكشف المبكر عن الأمراض.
لكن إدارة ترامب عيّنت وزير صحة مشككاً في اللقاحات، وقلّصت دور الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وألغت آلاف المنح؛ ما يهدد استمرارية هذه المبادرات الحيوية.
وفي مجال التعاون اللوجستي، أطلقت الرباعية مشروع شبكة لوجستية لتعزيز النقل الجوي المشترك والاستجابة للكوارث الطبيعية؛ إلا أن النهج الأمريكي الجديد قلّص دعم واشنطن لهذه المبادرات، رغم موافقة الكونغرس على التمويل، بحجة أولويات "أميركا أولاً".
من جانبها، أعربت الرباعية عن قلقها من تداعيات أزمة المناخ، وعملت على تعزيز التعاون في الطاقة النظيفة والمرونة المناخية؛ لكن سياسات ترامب في تعزيز الوقود الأحفوري وتقليص دعم الطاقة المتجددة، ورفض الالتزام باتفاقيات المناخ الدولية، تتعارض تماماً مع هذه الأجندة، وتضع التحالف في مواجهة مباشرة مع التوجه الأمريكي الحالي.
جدير بالذكر أن الرباعية تأسست عام 2007 على يد شينزو آبي، وأعيد إنعاشها في عهد ترامب عام 2017، لتشمل دولاً إضافية في نقاشات الصحة والتنمية، وصولاً إلى "الرباعية بلس".
خلال ولاية ترامب الأولى، لم تقتصر اجتماعات مجموعة الرباعية الأولى على مستوى وزراء الخارجية في 2019، بل شملت أيضًا دعوة دول مثل نيوزيلندا وكوريا الجنوبية وفيتنام للمشاركة في مناقشاتها حول قضايا الصحة والتنمية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وفي الواقع، خلال السنوات الخمس الماضية، اجتمع رؤساء حكومات الرباعية 6 مرات، منها مرتان افتراضيا.
واستضاف بايدن، الرئيس الأمريكي السابق، الاجتماع الأخير في ويلمنجتون في 21 سبتمبر/أيلول 2024؛ وتقرر في هذا الاجتماع استضافة الهند للقمة هذا العام.
وبناءً على ذلك، تُعِدّ الهند نفسها لهذه القمة؛ إلا أن مصيرها لا يزال غامضًا في ظل تقرير صحيفة "نيويورك تايمز" حول عدم مشاركة ترامب، رغم عدم تأكيده رسميا.
ويجتمع وزراء خارجية الرباعية بانتظام؛ حيث اجتمع الوزراء خلال السنوات الخمس الماضية، 10 مرات، كان آخرها في واشنطن العاصمة في الأول من يوليو/تموز 2025.
وتحولت الرباعية إلى شراكة استراتيجية تركز على الأمن البحري، الاقتصاد، التكنولوجيا، الاستجابة للطوارئ، والبنية التحتية، دون اتهام أي دولة بالعدائية، بما في ذلك الصين.
الرباعية اليوم ليست مجرد تحالف عسكري، بل قوة عالمية تركز على الأمن غير التقليدي: الصحة، والأمن السيبراني، والتغير المناخي، والتكنولوجيا، والاستجابة الإنسانية للكوارث.
لكن تواجه الرباعية اختباراً حقيقياً مع سياسات ترامب الثنائية والمركزة على المصالح الأمريكية المباشرة؛ والسؤال الآن: هل ستصمد الرباعية، أم ستعود إلى سبات جديد كما حدث بين 2008 و2017؟
الأهم ليس فقط حضور ترامب في قمة الهند، بل توافق رؤيته العالمية مع رؤية الرباعية كما تطورت في عهد بايدن.
كما أن غياب هذا التوافق يجعل مستقبل التحالف الغني بالإمكانات أكثر غموضاً من أي وقت مضى، ويضع دول المحيطين الهندي والهادئ أمام تحديات كبيرة في الحفاظ على شراكتها الاستراتيجية.