طرحت اليونان مبادرة لإنشاء منتدى يضم الدول الساحلية في شرق البحر المتوسط، في وقتٍ تتزايد فيه المصالح الأمريكية في موارد الطاقة بالمنطقة، لكن تركيا سارعت إلى الاعتراض، مشترطةً إشراك القبارصة الأتراك لقاء مشاركتها في أي إطار مشترك.
وفي مشهد جديد من لعبة النفوذ الإقليمي، اقترح رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس خلال جلسة برلمانية، تشكيل منتدى خماسي يضم اليونان وتركيا ومصر وليبيا وجمهورية قبرص؛ لمناقشة ملفات حساسة تشمل ترسيم المناطق البحرية والهجرة وحماية البيئة والربط الإقليمي.
ويرى الخبراء أن أثينا تسعى من خلال هذه الخطوة إلى أخذ زمام المبادرة قبل أي تحركات دبلوماسية محتملة بوساطة أمريكية، غير أن ردّ تركيا جاء فوريًّا؛ إذ أعلنت أن فكرة المنتدى "تركية الأصل"، لكنها اشترطت مشاركة "جمهورية شمال قبرص التركية" غير المعترف بها دوليًّا؛ ما يجعل عضوية نيقوسيا عقبة شبه مؤكدة أمام المشروع.
ويعتقد محللون أن التوقيت ليس عابرًا؛ فالعلاقة الوثيقة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، والتي تُرجِمَت أخيرًا بتفاهمات حول نفوذ أنقرة في غزة، أثارت قلقًا في أثينا من احتمال ميل واشنطن نحو مواقف تركية في ملفات شرق المتوسط؛ خصوصًا أن شركات الطاقة الأمريكية تتحرك بقوة في المنطقة، وبدأت "شيفرون" عملياتها في المياه اليونانية، و"إكسون موبيل" تستكشف في مناطق تحت الولاية الليبية، فيما تعمل شركات أمريكية أخرى في قبرص ومصر وإسرائيل.
وفي هذا السياق تخشى مصادر دبلوماسية يونانية أن يؤدي أي تدخل أمريكي مباشر، إلى فرض ترتيبات تكرس الأمر الواقع التركي، خصوصًا أن كلًّا من تركيا والولايات المتحدة لم توقّعا على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار؛ ما يفتح الباب أمام تفسيرات قانونية متباينة.
كما أن وصول السفيرة الأمريكية الجديدة كيمبرلي غيلفويل، إلى أثينا قريبًا، وهي شخصية قريبة من الدائرة الداخلية لترامب، وعلى اتصال مباشر بمستشاريه المؤثرين في ملفات الشرق الأوسط وإفريقيا، يُثير تساؤلات حول الدور الذي ستلعبه في موازنة العلاقات بين أثينا وأنقرة.
وعلى كل حال أعاد النقاش الجديد، إلى السطح مشروع الربط الكهربائي بين اليونان وقبرص؛ خصوصًا أن بعض المسؤولين في أثينا يعوّلون على تحسين العلاقات مع نيقوسيا لتمكين السفن البحثية من استئناف عملها جنوب وجنوب شرق كاسوس وكارباتوس دون اعتراضٍ تركي، لكن إلغاء اللقاء الأخير بين ميتسوتاكيس وأردوغان ألقى بظلالٍ من الشك على آفاق التهدئة المقبلة.